(لجنة التحقيق البرلمانية)

1. مقدمة

يندرج هذا التقرير في إطار طلب تقدمت به لجنة التحقيق البرلمانية المسؤولة عن التحقق من والتحقيق في شروط تنفيذ الإجراءات الإدارية ذات الصلة بتسيير قطاعات معينة في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم “اسنيم”، بما في ذلك مديرية فرع باريس التابعة لها.
وقد كنت من يتولى مسؤولية قسم المبيعات في الشركة من أغسطس 2009 إلى غاية يونيو 2013، لذا فإنني سأقدم في هذا التقرير شهادتي حول هذه الفترة.
تنقسم هذه الفترة في الواقع إلى قسمين، حيث عملت مع اثنين من المديرين الإداريين؛ الطالب عبدي فال (أغسطس 2009 – مارس 2011) ومحمد عبد الله ولد أوداعه (مارس 2011 – يونيو 2013 وهو تاريخ مغادرتي الشركة).
وإن كنت لم ألاحظ البتة أدنى ضغط من قبل الأول؛ فإن الأمر سيختلف مع الثاني، حيث تلقيت ضغوطا بشكل خاص تتعلق بقضيتين كانتا ذات أهمية بالنسبة له ففيما بدا لي:
تتعلق القضية الأولى بإدخال بعض العملاء أو الوسطاء، والتي من وجهة نظري ووفقا للإجراءات المعمول بها، لا تتوافق مع المعايير المعتمدة من قبل الشركة، ولا حتى مع تقاليدها الدارجة والمعتادة.
أما القضية الثانية فتتعلق بتعيين محمد ولد امصبوع صهر الرئيس عز يز في مديرية فرع باريس للشركة الوطنية للصناعة والمناجم، وهو التعيين الذي بدا لي مرة أخرى أنه يتعارض بشكل صارخ مع القوانين المعمول بها في الشركة ومع مصالحها، إضافة إلى أنه يخالف القوانين الفرنسية التي التزمت الفرع باحترامها.
لقد أوضحت للمدير العام المساعد رأيي في هذين الملفين إلا أن إصراره على الأمر كان الدافع وراء إخباري له وبطريقة حازمة، أنني لست على استعداد للانخراط في هذا المسار. وهذا الرفض للانصياع لأوامره هو الذي أدى إلى قرار نقلي إلى نواذيبو كمستشار للمدير العام، وهو القرار الذي أدى، نظرا لعدم مهنيته، بالنظر إلى مسيرتي المهنية في الشركة، إلى استقالتي على الفور من جميع مسؤولياتي داخل الشركة.
وقد قمت بمناقشة هذين الملفين بالتفصيل في الفصلين الخامس والسادس من هذا التقرير، إلا أنه بدون قراءة متأنية للفصول الأولى سيكون من الصعب على القارئ فهم سياق وتحديات الملف.

2. ملابسات نقلي إلى مديرية فرع في باريس

لقد تم تعييني في منصب مدير فرع باريس في قسم المبيعات بالشركة الوطنية للصناعة والمناجم “اسنيم” في نهاية أغسطس 2009، بعد وقت قصير من وصول المدير العام الجديد آنذاك الطالب عبدي فال، حيث ظل هذا المنصب شاغرا منذ 12/08/2019 أي تاريخ تعيين ابراهيم ولد مبارك وزيرا للتنمية الريفية ضمن الفريق الحكومي الجديد للرئيس عزيز آنذاك.
وقد كان هذا التعيين مفاجأة كبيرة بالنسبة لي كما كان للعديد من موظفي الشركة، ذلك أنني حتى ذلك الحين كنت قد شغلت منصب نائب المدير المسؤول عن عمليات الإنتاج ، وهو ما يعني أنني المسؤول الفعلي عن جميع مواقع الإنتاج (الزويرات ونواذيبو والسكك الحديدية) كما تم تعييني مساعدا للمدير العام بالنيابة لاحقا.
لقد أمضيت كل مسيرتي المهنية وتسلقت جميع مستويات السلم الإداري للوظيفة بشكل طبيعي (رئيس مصلحة، رئيس قسم، ثم نائب المدير) داخل الهياكل الفنية للشركة، في كل من الزويرات ونواذيبو، ومع ذلك، فقد قبلت العرض الذي قدمه لي الطالب عبدي فال، وهو الأمر الذي غذَى التكهنات داخل الشركة، وكانت هناك تأويلات شتى حول الأسباب المحتملة لمثل هذا التحويل، والذي لم تكن في الحقيقة سوى ترقية. لقد رأى الكثيرون في ذلك بالفعل يد عزيز الذي يرغب في إطلاق العنان للشركة، والبعض ذهب إلى حد القول إن هدفه الأولي كان احتوائي، وأن مديرية فرع باريس ليست سوى جزء من الخطة باتفاق مع الطالب عبدي فال.
بينما وجد آخرون أقل عددا بكثير، أنه على العكس من ذلك، كان القرار مبررا بحقيقة مفادها أن التحدي الذي تواجهه الشركة في الوقت الحالي -كنا آنذاك في خضم الأزمة المالية لعام 2008/2009 – هو قضية المبيعات وليست مسألة الإنتاج. وبالتالي فسوف تكون مديرية فرع في باريس أولوية اللحظة. ودعما لهذه الحجة، هناك من أضاف إنني من يقود المجموعة لهذا الهدف.
وهناك من رأى في الأمر أهدافا تجارية بحتة، يُتوخى من ورائها اقتراح إنشاء المنتج الجديد (TZFC) الذي كانت الشركة على أهبة الدفع به إلى السوق (انظر2 و3).
وعلى الرغم من أن كل هذه التأويلات مجرد تكهنات إلا أنني لن أعرف أبدا حقيقة هذا الأمر، سوى أن الأمر المؤكد بالنسبة لي هو أنني لم أعتد فعل شيء لإرضاء أصحاب الكراسي الوثيرة. وهاكم بعض الأمثلة من حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2009 لتوضيح ذلك:
لقد استقبلت في مسكني بالزويرات مسؤولا رفيعا وصديقا مقربا جاء لدعم حملة عزيز. أخبرني هذا الصديق أنه محمّل برسالة من مدير حملة عزيز إلى الزويرات -وهو بالمناسبة مسؤول كبير مقرب جدا من عزيز- وطلب مني مساعدته في هذه الحملة، بحجة أنه تحت سلطتي ما يناهز 80٪ من القوى العاملة في الشركة، مؤكدا لي أنني سأحظى حينها بمصداقية كبيرة لديهم.
أخبرته بشكل أساسي أنني لم أشارك مطلقا في أي حملة انتخابية سابقا، وأن اتفاق عمال الشركة وانسجامهم عائد فقط إلى أنني لا أتحدث معهم في أي شأن آخر سوى ما يتعلق بالعمل في الشركة. لاحقا وصلني أن مدير الحملة لم يكن مسرورا بهذا الموقف مني كثيرا.
بالعودة إلى نواذيبو، فقد استقبلت وفدا كبيرا من الوجهاء المقربين من عزيز في منزلي. جاؤوا بالطلب نفسه، وكان الرفض المهذب نفسه من قبلي والإحباط نفسه بالنسبة لهم.
وعلي أن أشير أنه كان لدى بعض المديرين التنفيذيين في الشركة مبادرة هدفت إلى جمع قائمة من الأطر لصالح حملة عزيز الانتخابية، وقد رفضت المشاركة في هذه المبادرة وهو الأمر الذي يبدو أنه أزعج ولم يمر مرور الكرام.
لقد قررت أيضا عدم المشاركة في اجتماع رتبه عزيز مع المديرين التنفيذيين في الشركة أثناء إحدى زياراته إلى نواذيبو.
ويبدو أنه لم تكن حقيقة أنني لم أشارك مطلقا في أي نشاط سياسي في ظل الأنظمة الأخرى حجة كافية أو مقنعة بالنسبة لهؤلاء.
لا أنسى أن رئيس الوزراء في ذلك الوقت، مولاي ولد محمد لغظف، وهو صديق قديم، وإن لم أتواصل معه كثيرا، بعد أن سمع نبأ انتقالي إلى باريس، اتصل بي ليطلب مني الحضور إلى مكتبه.
طلب مني أن أشرح له أسباب هذا التحويل التي بدى له غريبا. أخبرته بأن كل ما في الأمر أنني عُرض علي عرض وقبلته. ولم يكن مقتنعا، خاصة أنه وفقا لكلامه، قد تم بالفعل اتخاذ القرار بنقل مديرية فرع باريس في الشركة إلى موريتانيا.
صحيح أن عزيز كان يدفع كثيرا باتجاه هذه الفكرة التي وجدها كل من لديه معرفة بالمجال عبثية. ذلك أن تطبيق هذا الأمر بحسب عزيز سيكون وسيلة لخفض التكاليف. أعتقد أن مساعدي المديرين العامين المتعاقبين (كان عثمان والطالب عبدي فال) قد أقنعوه بأن هذه الفكرة لم تكن بتلك الجودة التي يتصورها، وسوف نرى لاحقا عام 2016 بدء تنفيذ هذه الإرادة الرئاسية عبر اتخاذ قرار بأن مديرية فرع باريس في الشركة من الآن فصاعدا سيكون مقرها في نواذيبو، وهو القرار الذي تم إلغاؤه لاحقا بعد أن تأكدت عدم فعاليته.
وتجدر الإشارة هنا أن النقاش حول موقع مديرية فرع باريس لم يكن البتة تنظيميا فحسب، بل إن وجود هذا الموقع في موريتانيا كان سيجعله أكثر قابلية للاختراق ولجميع أشكال التدخل ولكن ذلك لم يُفهم لا لاحقا.
تتمحور مهام المديرية حول ثلاث وظائف رئيسية:
1- التسويق: عبر مراقبة حركة السوق في الوقت الفعلي، والانتباه للتغيرات في العرض والطلب والمخاطر أو الفرص الجديدة، وكذلك متطلبات العملاء الجديدة وما إلى ذلك.
2- التوثيق: عبر جمع المعلومات عن السوق (صناعة الصلب) وعن المنافسين المحتملين والعملاء والأسعار والمشاريع الجديدة ولشحن البحري إلخ..
3- البحث عن توسيع الرقعة: من خلال البحث عن عملاء جدد، والقام بالمفاوضات الأولية، وإدارة المبيعات، وبرامج المبيعات الشهرية، وبرمجة القوارب مع العملاء وأقسام التشغيل إضافة إلى الفواتير..إلخ

3. فترة الطالب عبدي فال

ستعرف الفترة التي قضاها مع الطالب عبدي فال كمساعد للمدير العام لشركة (08/2009 – 03/2011) جوا من الاستقرار والتعاون المثالي، الأمر الذي مكننا من تحقيق نتائج استثنائية في وقت قصير جدا. وهو ما لم يتوقف الطالب عبدي فال عن إبرازه حتى للرئيس عزيز.
وأثناء هذه الفترة التقينا معا بالعملاء الأوروبيين والصينيين واليابانيين وفي كل مرة كان موقفه واضحا، حيث يعرب عن دعمه للمديرية في مواقفها التفاوضية، وقد أوضح ذلك لجميع الشركاء دون أدنى تردد. وهو الأمر الذي كان حاسما في سير بقية المفاوضات والنتائج التي تم الحصول عليها.
خلال هذه الفترة كلها لم يسعَ البتة إلى تقديم أو دعم أي عميل. وفي أحيان كثيرة كان عندما كنت ألجأ إليه لاتخاذ بعض القرارات المهمة، يرد علي بالقول “افعل ما بدا لك أنه الأفضل”.
يجب الاعتراف هنا بأن هذا جزء من تقليد راسخ لدى الشركة؛ حيث فرض المديرون العامون المتعاقبون أنفسهم دائما قاعدة أساسية لعدم التدخل في العلاقات بين المديرية والعملاء. لقد وفر لها موقعها في باريس ميزة مزدوجة: القرب من الأسواق والعملاء والحماية من التأثيرات المحلية.
على مستوى السلطة، يمكن ملاحظة أنه منذ تأميمها في عام 1974، وعلى الرغم من تعاقب الأنظمة، ومعظمها كان عسكريا ، فقد تمتعت الشركة الوطنية للصناعة والمناجم دوما باستقلالية إدارية واسعة جدا.
صحيح أن كل رئيس يصل للسلطة يعين رجلا يتمتع بثقته في منصب العضو المنتدب، لكنهم جميعا التزموا بقاعدة أساسية تقضي بعدم التدخل في إدارة الشركة وعلاوة على ذلك ضمان الحماية اللازمة للمديرية في وجه جميع المؤثرات الخارجية و الضغوط.
وكانت هذه إحدى النقاط القليلة المشتركة بين الأنظمة المتعاقبة، وهذا يفسر إلى حد كبير نجاح هذه الشركة في بيئة صعبة بشكل خاص ووضع اقتصادي يتميز بانخفاض أسعار خام الحديد.
وننبه إلى أنه خلال فترة عبدي فال كانت هناك تحديات عديدة: آثار أزمة 2008/2009 ، التغيير في نظام التسعير (Benchmark) الذي تم رفضه من قبل جميع شركائنا الصينيين وخاصة من قبل الأوروبيين، وأخيرا طرح نظامنا الجديد المتمثل في المنتج الرئيسي TZFC .

(يتواصل)

ترجمة: تقدمي