الانقلاب في النيجر كان متوقعا. فَوُصول المعارض محمد بازوم للسلطة، عن طريق دعم الرئيس السابق محمادو إيسوفو، لم يحظ أبدا لا بإجماع النخبة ولا بدعم المؤسسة العسكرية، لأسباب عدة، من بينها انتماؤه إلى أقلية عرقية تمثل أقل من واحد بالمائة.

الانقلاب كان كذلك متوقعا لأن إحساس الشعب بأن الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح خلق بيئة مشجعة للاستيلاء على الحكم، خاصة في ظل ارتهان الرئيس وحكومته للتحالف مع فرنسا، في الوقت الذي عبر فيه الشعب النيجيري مرارا عن سخطه ضد هذا البلد وأطماعه الاستعمارية، على مرار ما يحدث في مالي وبوركينا فاسو وغيرها من البلدان الافريقية.

الانقلابات، حل مشكلة بمشكلة أكبر

هذا الانقلاب سيعيد النيجر حتما إلى المربع الأول. لأن الانقلابات ليست هي الحل، كونها تأتي دائما بما هو أسوء مما قبلها. الانقلاب باختصار هو محاولة حل مشكلة ما بمشكلة أكبر. ما سيحدث هو تكرار لنفس السيناريو، حيث تقوم طغمة عسكرية بادعاء وازع التغيير، ليبدأ البلد فترة انتقالية جديدة ومسارا موازيا من النهب والهدم الممنهج للدولة. كما تظهر غالبا نخب عسكرية ومدنية أسوأ من الموجودة، فهذه النخب ليست قومية ومشروعها لا يحمل بالضرورة أي طابع أيديولوجي أو سياسي معين، كما لا تسعى إلى إصلاح البلد، وهي متعطشة للثراء، ستلعب، تماما كما في مالي وبوركينافاسو، على تنامي الشعور المعادي لفرنسا للتغطية على أهدافها الحقيقية وتجييش مشاعر الناس.

الحقيقة أن التجربة أثبتت أنه من المستبعد أن يتمخض أي انقلاب عن ديناميكية ايجابية أو عن تغيير في طبيعة النظام أو مدى تجاوبه مع التطلعات الشعبية. كما لن يؤدي إلى ترسيخ الديموقراطية وبناء دولة المؤسسات والقانون، ولن يُفْضِ إلى مشروع تنموي يُخْرِجُ البلاد من الفقر والتخلف.

فمثلا، منذ 1978 وموريتانيا تعيش على وقع الانقلابات، و البلاد والاجيال تدفع ثمن هذه المغامرات. هل استطعنا بناء دولة حديثة ؟ هل نجحنا في ارساء الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة؟ هل نجحنا في تنمية البلاد؟ هل قضينا على الفقر والغبن والتهميش والفوارق الاجتماعية؟ هل تراجع الفساد والمحسوبية والقبلية؟ هل نجحنا في ايجاد حلول للقضايا البنيوية كالوحدة الوطنية ومخلفات الرق والتشغيل والتعليم والصحة والولوج إلى الخدمات الاساسية؟

إذن، ما هو الحل ؟

طريق التغيير والتنمية أصعب وأطول من الانقلابات لكونه مليئ بالتحديات وخيبات الأمل، ويتطلب كثيرا من المجازفة والتضحية. ما ينقصنا في الوقت الحالي هو إرادة سياسية صادقة، من أجل البدء في إصلاحات بنيوية وتنفيذ سياسات تنموية طموحة والتخلص من النخب الفاسدة. تحقيق مثل هذه الأهداف لا يتم إلا من خلال النضال والضغط الشعبي وتعبئة المواطنين وتوسيع دائرة الوعي.

هذا التغيير المنشود لن يتم إلا بالفصل بين السلطات ودعم استقلالية مؤسسات الدولة وإبعاد الجيش عن السياسة وعدم تدخله في إدارة الدولة واحترامه لمؤسسات الجمهورية، عن طريق بناء عقيدة عسكرية جديدة ترتكز على حماية الحدود والأمن القومي، حيث يكون الجيش في خدمة الوطن، طبقا للدستور، لا أن يحمي ضابطا أو طغمة عسكرية استاثرت بالسلطة.

تحصين الجيش من التسيس يتطلب قطيعة مع تدَخل بعض الجنرالات في السياسة المحلية، عن طريق لجمهم عن الانخراط في الخلافات المحلية، حيث اصبحوا جزءا من اللعبة السياسية ومن التجاذبات والصراعات القبلية والجهوية، مما قد يساهم في إضعاف الإجماع حول الجيش، لأنهم سيتعرضونه حتما للانتقاد، فالجيش لايمكن له أن يكون فاعلا في اللعبة السياسية، كونه لا يمتلك القدرات التسييرية اللازمة لإدارة شؤون الدولة، ولأن ذلك يبعده عن مهمته الأساسية كضامن للاستقرار وسيادة البلد.

إلا أن المطالبة بإبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم في الظروف الحالية قد لا تبدو واقعية، نظرا لعدة عوامل، من بينها عدم استعدادها للتخلي عن السلطة وكذلك انعدام الضغط الشعبي اللازم لاخراجها. وعليه، فإن الخيار الأقل سوءا، في هذه الظروف، قد يتمثل في بناء حلف فضيلة جديد، يضم دعاة الإصلاح من المدنيين والعسكريين، لإنقاذ البلاد من الأزمات التي تعيشها والتي استعصى حتى الآن حلها على الأنظمة المتعاقبة. فالبلاد لا تتحمل خماسية جديدة ضائعة، نظرا للطابع الملح للتطلعات الشعبية، مما يستوجب النهوض لمعالجتها قبل فوات الأوان. وذلك يبدأ بقناعة مشتركة أن الدولة لا يمكن بناؤها بالمفسدين الذين يتحملون مسؤولية جسيمة في عملية النهب التي شهدتها العشرية الماضية. وإنما عن طريق عمل مشترك يجمع ذوي النوايا الحسنة والإرادة الصادقة حول مشروع وطني مؤسس على رؤية اصلاحية جامعة.

لقد وصلنا إلى القاع ويجب على الجميع تدارك الأمور قبل أن يفوت الأوان، فطبول الانقلابات ومخاطر الفوضى تدق الأبواب، وقد لا يكون بلدنا محصنا في مواجهة ما حصل لغيره من بلدان المنطقة.