تم وضع أول مسودة قانون لمشروع القانون الحالي عام 2012 من قبل الجمعية الموريتانية لصحة و الطفل الضالعة و الملمة بحيثيات معاناة المرأة و الطفل في هذه الربوع و كانت هذه المسودة حصاد عقود من العمل المتواصل في غياهب ظلمات غياب الوازع و الرادع ، و بعد مرور سنين آخرى عددا من الأخذ و الرد تشكلت بوازع عدلي بحت و بإحساس مطلق بالمسؤولية لجنة قانونية تكونت من المحامية عيشة السالمة المصطفى و النائب العيد ول محمدن و الوزير الحالي للعدل المحامي حيموده ول رمظان و آخرون و قامت بإصدار أول نسخة تعرض على المجالس التشريعية 2017 شملت 74 مادة تحت عنوان ما عرف حينها بقانون مكافحة العنف ضد النوع ، وهي النسخة اللتي حققتها و أجازتها سيدة النضال الأولى مريم داداه و المرحوم الاستاذ سعد بوه كمرا و جمع غفير من البرلمانيين و السياسيين و رجال القانون.
هذه النسخة تمت شيطنتها و الهجوم على محتواها بدعوى أنها مستنسخة من تجارب الآخرين و من قوانينهم و هي الحجة الساذجة مبنا و معنا فتجارب الغير مكاسب لنا حسب أعراف البشر ، كما استهجن المشيطنون إحتوءها على مصطلحات دخيلة على مجتمعنا و ثقافتنا و لم يستهجنوا الافعال الدخيلة و الاجرام المسبب في ورودها !
تمخضت هذه الشيطنة الممنهجة عن سحب مشروع القانون من إحدى الغرف التشريعية بعد أن أجازته الأخرى من ما ألزم السلطات التنفيذية إعادة هيكلته و سحب المواد موضع الخلاف و اللتي من ضمنها العنوان لتخرج نصا جديدا من 54 مادة فقط يتسمى بقانون مكافحة العنف ضد النساء و الفتيات، من العنوان فقط نلحظ أنه يحرُم الأولاد الذكور من حقهم في الحماية وفق هذا القانون !
غير أنه من باب الموضوعية لا يسعنا الا أن نشيد به كأول مشروع قانون يدافع عن حقوق النساء و الفتيات خاصة فيما يتعلق بحمايتهن من العنف الجنسي و الجسدي و المعنوي .
من ابرز مميزاته هو تعريفه للإغتصاب و تعريفه للتحرش و هذا بحد ذاته يحسب انتصاراً كبيرا لأن الإغتصاب لم يكن معرفاً بشكل واضح على الرغم من تجريمه المبهم في القانون الجنائي ..الا ان وسائل إثباته كجريمة أحادية، دائماً كارثية و تنتهي غالباً بإطلاق سراح الجاني و توجيه تهمة الزنا إلى الضحية .. جاء في مشروع القانون الجديد أيضا حل نسبي لهذه المعضلة أولاً من خلال تعريف الإغتصاب بشكل واضح و كذا من خلال إلزام فحص الحمض النووي DNA ..وهو ما سيساهم في إدانة الجاني ، حيث كان قبلا من شبه المستحيل إثبات ذلك الضرر حتى في حالة امرأة او طفلة مُعنفة تحمل آثار الضرب والتعنيف الواضح مثل الخنق و الكسور و آثار الإعتداءات الجنسية الجلية إلا انه في غياب فحص الحمض النووي لا يمكن إثبات الجريمة و تبقى رهن اعتراف الجاني الذي ينكر صلته بالضحية غالباً ، باتت الآن نسبة الجناية للجاني أمراً ممكناً في حالة اِنكاره .
من محاسن مشروع القانون الجديد أيضا الوقاية و التَّكفل؛ الوقاية كما وردت في المادة الأولى من النص وهي باختصار إلزامية السلطات القضائية بحماية الضحية في ظل غياب الأدلة الجنائية القطعية المدينة للجاني ، كما نص مشروع القانون في المادة 9 على عدة استراتيجيات مُلزمه للسلطات التنفيذية هدفها الحد من العنف في سبيل القضاء عليه و هو ما يسكون له الاثر البارز في تقليص تفشي هذه الظاهرة داخل المجتمع..التَّكفل و هو ما يتعرض له القانون في فصليه الأولين و يتمثل في المُساعدة القضائية عن طريق توفير مـُحامي و إجراءات مُماثلة وهذا شيء جديد لم يَكُن موجوداً قبل مشروع القانون.
من جديد مشروع القانون كذلك تعويض الدِّية للمُغتصبة وهو أمر بالغ الأهمية لأنه سيمَكن الضحية من القيام بمشروع يُساعدها على الإندماج في المجتمع .
هذه العقوبات المادية الجديدة بالغة الأهمية في ردع الإغتصاب و في مُساعدة الضحية على تكوين نفسها و هو أمر أساسيٌ .
و من أهم ما أتى به هذا القانون هو توفير مراكز الإيواء للضحايا في حال تعرضهن للنبذ من طرف الاهل و هو ما يحدث غالبا بعد تعرض الضحايا لجرائم الإغتصاب، خاصة اذا نتج عن هذا الإغتصاب حملٌ..توفر هذه المراكز مستقراً آمناً للضحية و طفلها ريثما يتقبل الأهل الوضع الجديد أو يجعل لها الله مخرجا من ضائقتها ..
كما انَّ القانون سيمنح مُنظمات المجتمع المدني حق مؤازرة الضحية في حالة عدم تحريك الدعوى من طرف وكيل الجمهورية و هو ما سيعزز فعالية القانون في حماية الضحايا و كذا يسهم في تقليص نفاذ الجاني من العقاب و هو الشيء اللذي سيشكل رادعا متينا أمام الجناة من ذوي القربى لكون الصلح الاسري هو موكأهم و حافزهم الاساسي على التمادي في إجرامهم .
يُعتبر هذا القانون أول قانون يأتي بهذه المواد في صالح الفتيات المُغتصبات و النساء المُعنفات بأستثناء قانون الشغل الذي أضاف مؤخرا أحقية الأبناء في ميراث تقاعد المرأة المتوفاة و هو الحق اللذي حرموا منه مطولا لأسباب تمييزية، هذ بالاضافة لتكرس مدونة الشغل لمساواة الاجور وفق الكفاءة .
يُمكن كذلك ذكر قانون إلزامية تعليم الفتيات و كان فعلاً خطوة مهمة و هي نتاج تراكم مطالب كثيرة و تمت مواربتها بإلزامية تعليم الأطفال و هو قانون لازال لحد الآن قيد التعطيل ، و يبقى قانون تجريم تشويه الأعضاء التناسلية للبنت و قانون الصحة الإنجابية هما القانونين الأجدى و الأنفع و الأكثر أهمية لصالح النساء و الفتيات و من السفه بمكان أن يضيق المقام عن الاشادة بهما ..
فهما جل ما يصب في صالح المرأة من مجمل ترسانتنا القانونية الوافرة ، ففي المدونة الجنائية لا توجد مواد في صالح المرأة لأنها لا يُؤخذ بشهادتها ، ولأنها في حالة تعرضت المرأة للضرب يتحول من جُنحة إلى سبب إباحة في حال ما إذا كانت الزوجة هي المتعرضة للعنف من طرف زوجها ولا يُعاقب عليه بل يثاب على فعلته حسب بعض مآثرهم، كما لم يكن هناك تعريف للإغتصاب ولا للتحرش قبل مشروع القانون الجديد ..
و بعد كل هذا الجرد لمحاسن مشروع القانون هذا لا يمكننا التجاوز دون التنبيه على نواقصه فهو القاصر عن حق القاصر في طفولة طبيعية إذ لم يأت بجديد في معضلة زواج القاصرات و جعل مردها و فيصلها في مدونة الأحوال الشخصية التي تنص على أنه اذا رأى ولي الأمر مصلحة راجحة في ذلك ..
وبالتالي فالأب او ولي الأمر لا حرج عليه في ذاك و لا يتعرض لأي مُساءلة قانونية إن هو زوج ابنته القاصر ،لكن الزوج قد يتعرض للمساءله القانونية و لعقوبة دفع غرامة مالية مقابل هتك براءة قاصر و تعطيل مسارها التعليمي و المهني .. جزاء طفيف خجول لكنه قد يحرج البعض من ذوي الأيادي المغلولة و يجعلهم يعيدون التفكير كرة قبل الشروع هذا الجرم المباح بمعية المُشرِّع الذي ما زال وجلا من ردة فعل الجمع الجاهل و يسعى لمراضاته بإيجاد مخارج قانونية مشروعة و مشرعة.
من المآخذ أيضا على مشروع القانون الجديد حذف التصديق التلقائي لضحية الإغتصاب من النص و هو أمرٌ يُؤسف له تماماً فالضعيف و ناقص الحيلة مصدق مطلقا و على القوي المتجبر إثبات العكس وهو ما تنص عليه مدونة الشغل لكن حماية النساء و الفتيات غضت الطرف عن ذلك
كما أنه لم يأتي بجديد في قضية الطلاق بالإرادة المُنفردة للزوج و تحويله إلى طلاق تصريحي أمام القاضي كما كان متوقعا حتى تضمن المطلقة بعض حقوقها الضائعة بفعل عشوائية التطليق كالحماية و النفقة و غيرها من حقوق من جهة و من أخرى إمكانية الصلح و استرجاع إلى الأسرة إن هي رغبت في ذلك .
من نواقص مشروع القانون هذا كونه لم يأتِ بأي جديد في قضايا ميراث الأرض فالمرأة لدينا في المناطق المحاذية للنهر لا ترث الأرض من أبيها لخوف اَهلها من ذهاب الأرض إلى الزوج في حالة زواجها .
أما بالنسبة للمعارضين سمعنا الكثير يتحجج بِمُخالفة القانون للشريعة ولكن إن نظرنا جيداً نجد الإعتراض يقع فقط على حرية التنقل مُقَابِل الحجر التي هي أصلاً حق كفله الدستور الوطني في المادة رقم عشرة ( حرية الخروج والدخول و التنقل داخل و خارج التراب الوطني ) .
أو الاعتراض على تجريم زواج القاصرات الذي لم يُجرمه القانون أصلاً مُخيباً بذلك آمال ناقصي الاهلية و آمالنا في مطلق حمايتهم .
ياااا كل هؤلاء شريعة الله في الأرض لا يمكن أن تتعارض مع حماية الإنسان .. ياااا كل هؤلاء قال تعالى في محكم كتابه (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .