هي إيقونة النضال المجتمعي، الهادئ، هدوء طباعها.. الهادر أحيانا، حين لا ينبغي لك أن تكون ليّنا فتعصر.. فقد كان على ختُّ بنت بحام ولد محمد لغظف أن تجابه محاولات ولد ابراهيم اخليل لي ذراعها، خلال فترته وزيرا للمجتمع المدني، فقاومته بجسارة غزال شارد يلبس جلد غضنفر، و أن كان طبعها من حرير.
ولدت في مدينة أطار، التي تنحدر منها والدتها المرحومة ناصرها بنت انغيميش. و تلقت تعليمها الابتدائي في نواكشوط، حين كان والدها يتقلد منصبا وزاريا في حكومة المختار ولد داداه.
لم تعانِ ما عاناه غيرها من بنات مجتمع الزوايا، من الحرمان من تعليم البنات.. فقد كان لها من وعي والدها وثقافته ما دفع بها للتمدرس، تماما كما كان شأن باقي أخواتها و بنات أعمامها، اللواتي نهلن من معين الثقافة العصرية، غير آبهات بألسنة العذّال.
لها ذكريات صبا مع مدرسة “خيار”، التي درجت فيها مدارج طفولتها، وهي بنت ست سنوات.. كان ذلك في عام 1967.
تتذكر خت بنت بحام كم كانت الدراسة جدية و جيدة، عكس ما عليه الحال الآن.. و تتذكر الفصول التي كان يختلط فيها الصبيان بالصبايا.. و تتذكر الدراسة المزدوجة للغة العربية و الفرنسية.. و الألفة التي كان ينسجم فيها كل ابناء الطبقات المتفاوتة، عربا و زنوجا وحراطين.
بعدها، التحقت خت ُّ بثانوية أطار، حين كان والدها واليا لولاية آدرار.. ثم تزوجت زواجها المبكر في تلك الفترة، وهي لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها، غير أنها تؤكد أنه لم يؤثر إطلاقا على دراستها.
جزء من دراستها الثانوية، كان في كيهيدي، ولم تحل ظروف إنجابها الأولاد من مواصلة الدراسة، فقد كانت عزيمتها أمضى من المثبطات.
بعدها شاركت بنت بحام في امتحان لـ”لقابلات”، فنجحت فيه بتفوق، لتتخرج منها سنة 1982 بعد ثلاث سنوات من التحاقها بها، عقب حصولها على شهادة الباكلوريا.
لم يوافق تخصصها هوى ً في نفس زوجها المرحوم محمد محمود ولد الديه، و إن شجعها أهلها و ذووها، فاعترض على الأمر في البداية ثم تراجع في وجه إصرارها عليه.
التحقت بجناح الولادات في المستشفى الوطني.. كن ثلاث قابلات فقط، يشرف عليهن طبيب نساء و توليد.. وكنّ يتناوبن على رئاسة فريق القابلات، فتتولى كل قابلة تلك المهمة ليوم و ليلة، قبل أن تنتقل الرئاسة الدورية لغيرها.. وهكذا دواليك.
كان أصعب ما واجهها في مسيرتها التعليمية، هو تنقلها بين المدن، فما كانت لتلقي عصى النوى في مكان حتى تستحث ركائبها لمكان آخر، حيث كانت بنت إداري وزوجة عسكري.
رغم كل ذلك، فلم تعد خت عاما دراسيا، و إنما كانت همتها وذكاءها عاملا في مواصلة مشوارها التعليمي.
تتذكر بنت بحام ذلك العهد الذهبي، الجميل، إيامَ كان الصفاء يغلب الجفاء.. و كانت الظروف المعيشية سهلة، يسيرة.. تتذكر راتب زواجها العسكري الذي كان زهيدا حينها، ورغم ذلك فقد يغنيهم عن التكفف..
لقد كان ينبوع قناعتهم لا ينضب.
رفض زوجها ولد الديه بكبرياء رجل الصحراء و أنفته أن يتجاوز فلس واحد من راتبها عتبة منزله، فكانت تقوم بتقسيمه على الممرضات و القوابل في قسم التوليد.
تتذكر خت أن وزير الصحة حينها جاكانا يوسف (الذي أصبح دبلوماسيا فيما بعد) قام بثلاث زيارات مفاجئة لقسم التوليد في المستشفى الوطني، شاءت الصدفة أن تكون المداوِمة خلالها في قسم القابلات، فمنحها ثلاث تشجيعات على حسن أدائها.
بعد سنتين من العمل في قسم التوليد، انتقلت بنت بحام لترأس قسم “النساء المعوقات الحوامل” في مركز تأهيل العظام.. ثم زاولت لعامين مهنة التدريس في مدرسة تكوين القوابل، التي كانت قد تخرجت منها.
بعد لأي، من مقاطعتها للوظيفة، قررت خت بنت بحام أن تطرق أبواب المجتمع المدني، فبحثت فيه ودرست عنه، كيما يتأتى لها أن تلج عالمه على دراية به واطلاع عليه.. حيث أنه فضاء للتطوع و العمل الخيري الذي لا يرجو صاحبه منه نفعا ماديا، ولا امتيازا شخصيا، و إنما هو وسيلة لتقديم المساعدة والعون لمحتاجيها من أبناء بلده.
لخت بنت بحام قصة مع السياسة، فقد عاشت سجن والدها خلال فترة ولد هيداله، حيث اتهم زورا ـ حسب اعتقادها ـ بالمشاركة في إعداد انقلاب عسكري، بصفته ظهيرا مدنيا.. تعرض للكثير من الإهانة التي كان لها بالغ التأثير في نفسية ابنته الشابة.
بعدها، لم تعرف ختّ لوالدها موقفا معارضا للأنظمة، عكس عمها شيخنا، الذي تكن له معزة وحبا يضاهى حب أبيها.. “إن لم يَفُقه”. تقول بنت بحام.
لم يسبق لختّ ُ أن عارضت نظاما سياسيا.. هذا، قبل أن تكون ناشطة مجتمع مدني، أحرى بها و قد رابطت في هذا الخندق الذي يتطلب منها مسافة متساوية من كل الفرقاء السياسيين.
“أحيانا تمر بظروف لا يقبل منك الناس فيه موقفا محايدا من المشهد السياسي”. تقول بنت بحام. “يكون المنطق السائد : من ليس معي فهو ضدي”. تضيف ختُّ.. “مشكلتي – تستطرد حديثها – أن كلا فريقي المعارضة و الموالاة يحسبني في الجانب الآخر.. وهو أمر بالغ الصعوبة بالنسبة لناشطة مجتمع مدني مثلي.. وقد خضعت لضغوط من أصناف شتى، حتى أنه تمت إقالة زوجي (عبد الله ولد سيداتي) من إدارة كان يتولاها، بسبب ما يعتقدونه من انحيازي للمعارضة، وهو أمر لا أساس له من الصحة”.. تقول بنت بحام.
تعتقد خت أن عملها كقابلة، جعلها تهتم بحقوق الإنسان، حيث تعلمت أن تشرف على قدومه لهذا الكوكب، فتتلقفه يداها بحنان، وتوليه الرعاية و تمنحه الحنان، وتواصل النضال من أجل أن يعيش أنسانا كاملَ الحقوق.
” السبب في عملي في قسم التوليد كان لمساعدة الطفل وهو في مرحلة ضعفه وحاجته، و لمد يد العون لأمه وهي في أمس الحاجة للعون”. تقول خت بنت بحام.
هكذا ظلت تطاول بأنفها الأشم عنان السماء.. وترفض، رغم الضغوط، أن تستكين لغير نداء الواجب الوطني و الإنساني.. واثقة الخطى، شامخة القامة في وجه التحديات.. يتعانق ذكاءها و جمالها و استعدادها للتضحية ليرسم لوحة امرأة من حرير..!!