في الجهة الجنوبية من مدينة كيهيدي، وعبر نهر السنغال يعبر الناس يوميا على متن العبارة، والتي تتسع للناس والبضائع والسيارات الصغيرة؛ في مظهر من مظاهر التبادلات التجارية والثقافية بين الضفتين الضاربة في التاريخ.

قرية “كورل عمر لي” المقابلة لمدينة كيهيدي على الضفة الأخرى؛ تشكل معبرا إلى الأراضي السنغالية للموريتانيين المسافرين إلى دكار، والذين يمرون حتما بحامية الجمارك المرابطة على الجانب الموريتاني وبمخفر الشرطة المتواجد على الجانب السنغالي، حيث تشكل الضفتين نقطة تماس بين حدود الدولتين. هذه الحدود التي تعرف تداخلا إثنيا ولغويا وثقافيا منذ زمن موغل في القدم؛ عندما استقر الصيادون الأوائل على الضفاف وأسسوا قراهم. يتجلى هذا التداخل في مظاهر كثيرة حيث لا يعدم المرء أن يتلقي بأحد المزارعين الموريتانيين يملك أراضي زراعية على ضفة السنغال بينما تقيم أسرته في الجانب الموريتاني. 

يزور سكان قرية “كورل عمر لي” الجانب الموريتاني يوميا من أجل اقتناء حاجياتهم من السوق، و من أجل تسويق بضاعتهم التي غالبا تكون على شكل محاصيل حقولهم من الزراعة الفيضية من ذرة صفراء وطماطم و بطاطس وغيرها. في المساء يعودون إلى قريتهم بعد يوم من العمل والكدح. شريحة “سولبالبي” وهم الصيادون التقليديون؛ من أول من استوطنوا ضفة النهر على الجانبين؛ نظرا لطبيعة عملهم المرتبط دائما بالنهر وطقوسه وأمزجته المتأرجحة بين الفيضان والانحسار، وهو ما شكل خصوصية ثقافية ما وطبع نمط عيشهم وتفكيرهم المرتبط بما يمكن أن نسميه “ثقافة نهرية” مرتطبة بالنهر ومرفودة بمجموعة من القصص والأيقونات والأساطير ذات العلاقة بالتماسيح وحوريات النهر ومخلوقات أخرى أكثرها أسطوري. ولعل الأشعار والتعاويذ التي تتم ترتيلها في مهرجان “بيكان” السنوي الذي ينظمه هؤلاء ليس سوى صدى لهذه الثقافة المشار إليها آنفا وتجسيدا لهذه الخصوصية.

يقول لنا بعض المواطنين إن مدينة كيهيدي كانت تتوفر على عبارة خاصة بها، إلا أنها في السنوات الأخيرة اضطرت إلى استغلال هذه العبارة التي تملكها نفس التي تلك عبارة روصو، وقد وجدنا العبّارة راسية على الرمل؛ لأنها كانت هذه الأيام متعطلة بسبب تلف بعض أجزائها؛ كما شرح لنا العمال، ولكن تم بناؤها مرة أخرى، وهي على أتم الاستعداد لربط الضفتين من جديد حاملة على متنها البضائع والسيارات الصغيرة والناس، إلا أن وجود هذه العبارة لا يوقف عمل الزوارق العادية التي تتسع لعدة أشخاص فقط؛ خاصة أن العبارة لا تنطلق إلا بكمية كافية من البضائع والناس؛ بينما يمكن للمرء إن كان مستعجلا أن يستأجر زروقا صغيرا لوحده بسعر رمي ليعبر بعد عشر دقائق إلى الجانب السنغالي أو العكس.

حجم التبادلات التجارية وانسيابية الحركة بين الجانبين، وانفتاح الناس على بعضها البعض، يجعل المرء يحس أن هذه الحدود الطبيعية والقانونية أحيانا ليست سوى حالة ذهنية، تم فرضها أكثر من منها حدودا واقعية بين شعبين؛ يتداخلان في كل المجالات، رغم ما توحي به المخافر على الجانبين من قطيعة وما تفرضه من إجراءات، ورغم العبّارة الراسية على الرمل ولو مؤقتا.