ألم يقع بعضنا في غرام مع بعضنا الآخر ؟

إن هذا الشعور الجميل الذي يعطينا الانطباع بأن لنا اجنحة نطير بها ويشعرنا بقشعريرة جميلة صامتة تختلجنا وتطمئننا على اننا ، ذات يوم ، سنري السماء الزرقاء مليئة . شهبا . إنها تبعث فينا نشوة إرادة اكتشاف العالم بين أذرع شخص ما نتمني الخلود الى الشيخوخة الي جانبه.

التقى بها في مساء ما قريبا من هنا . تراشقا النظرات وفجأة ، لم يعد أي شيء آخر موجودا حولهما . كانت تشعر وكأنها ساندريون ، غارقة في وهم هيام أبدي ، متمنية أن الا ينتهي الليل الطويل وان يصبح هذا الحلم حياة سرمدية في الواقع ، بسرعة مذهلة ، قررا أن يعيشا معا في شقة . كانا العائلة المثالية بالنسبة لمعارفهما . ابدا لم يبارحا تشابك الأيادي كلما كانا معا ، متبادلين النظرات مع اعجاب متبادل و ابتسامة لا تفارق المحيا.

۔ في ليلة ال 30 يوليو 2016 ، تغيرت حياتهما فجاة . أصبحت العائلة محط الأنظار عندما دق النحس بابهم . ففي حدود الساعة الرابعة فجرا ، استيقظ الجيران على ألسنة اللهب تنبعث من مسكنهم . ليونيدا ، بالكاد 24 سنة ، تحترق و من كتلة اللهب التي تلفها كانت ينطلق صوتا يطلب النجدة . دلفت الى الشقة المجاورة ، مدفوعة بالأدرنالينو بالألم سلمت الروح لباريها في فاتح اغشت على سرير مستشفى في المنطقة .

طالب الرأي العام المصدوم من هول ما وقع بضرورة معرفة الحقيقة كاملة عن ملابساته وبالعدالة ، تماما كما هو حال كل البشر الأسوياء.

رغم المها ومعاناتها ، تمكنت ليونيدا من سرد ما حدث . . . في تلك الليلة ، راودت نفسها عن شريكها جوزيف لأنها كانت تعاني من آلام حادة في البطن . تلاها تلاسن حاد بينهما فما كان من جوزيف ، الذي يتهمها بخداعه مع رجل أخر ، الا ان يخرج لاقتناء البنزين وسكبه على ليونيدا ويضرم النار . أتصور ما هي الأفكار الأخيرة لليونيدا . جوزي ، لم عملت بي هذا ، أنا التي تحبك كثيرا ؟ الم تعاهدني على الحب و على الحماية ما حيينا ؟ لم تسلبني الحياة بسبب سوء فهم بسيط ؟ لم تحرم طفلي من امه ؟

نعم ، الحب شعور جميل . و مع الحبيب ، يتوقف الزمن و كأن الحاضر و الماضي يلتئمان في لحظة وجدانية ازلية و لكنه عندما يتحول ذلك الحب الى عذاب لا يوصف تتحول كل ثانية فيه الى لحظة الم لا تنتهي .

في كل الدول ، تم اعتماد سلسلة من النصوص الوطنية و الدولية ، يصادق عليها بشكل شبه يومي، لحماية المرأة في شتي مراحلها كشابة و كأخت ثم كزوجة و أم، فالدستور البنيني يقرر في المادة 26 المساواة ، بدون تمييز ، بين الجنسين أمام القانون . كما ان الميثاق الأفريقي لحقوق الانسان و الشعوب لسنة 1981 و المصادق عليه من قبل البنين في 20 أكتوبر 1986 يحدد في مادته 7 بأن لكل شخص الحق في ان يتم الاستماع الى قضيته . و يتضمن هذا المقتضي حق المرء في أن يشكو امام المحاكم الوطنية المختصة ضد كل فعل ينتهك الحقوق الأساسية المعترف بها للإنسان . كما أن البروتوكول التطبيقي لنفس الميثاق يقرر في مادته 4 الحق في الحياة و في السلامة الجسدية و في الأمان .

وتحدد المادة 6 الحقوق الناجمة عن الزواج ، بينما تؤطر المادة 8 لشروط الولوج الى القضاء والتساوي في حق الحماية امام القانون في البنين ، و رغم تعدد النصوص القانونية الحامية للمرأة ، لا يزال النظام الأبوي الذي نعيش فيه طاغيا، فحسب المعتقدات الشعبية ، لا يحق للمرأة المرتبطة برجل أن تشكوه و لو كان عنيفا أو زير نساء او سكير ااو عديم مسؤولية . فالمرأة وحدها هي المسؤولة .

و تقتضي الأعراف في البنين ان تتالم المرأة بسكوت و ان تتضرع الى المولي جل علاه في أن يلهم زوجها عشرة احسن ، حيث لا يمكن تصور أن تقدم امرأة بشكوي ضد زوجها للتعنيف . فإن فعلت ، فإنها أقصر الطرق للاعتراف ضمنيا بالقبول بالطلاق دون اية ضمانة ولا حقوق.

في إفريقيا، لا يكون الزواج بين شخصين ولكنه بين عائلتين، فيكون كل واحد من الزوجين وصيا على الآخر ولن تتسامح اية عائلة إفريقية مع امرأة تجرأت على تقديم زوجها أمام العدالة وإن في سبيل طلب الحماية وصيانة الحق في الحياة بالنسبة لها او الأطفالها . وإن فعلت ، فيتم طردها ، مع اطفالها ، من المنزل العائلي وفي بعض الأحيان ، يتوجب عليها ترك المنزل لوحدها مع تهديدات بالقتل إن هي حاولت الاتصال بأطفالها، تطردها كالمصابة بالجرب ولا يستحسن من أي امرأة محترمة وجديرة بالتقدير في المجتمع ان تظهر الي جانبها تحت طائلة نفس المصير، و الأدهى أن بعض أولئك النسوة لا يمكنهن حتى العودة الى عائلتهن الأصلية ، خشية أن لا تجر الويل على بقية بنات الاسرة اللائي قد لا يجدن زوجا تشاؤماً بها وبما اقترفته.

اذا كان القانون يحمي المرأة البنينية ، فإن التقاليد والعادات ليست كذلك،
فيمكن ان نتساءل: كيف تحدث ممارسات من هذا القبيل في القرن 21 ؟

لا تسمح للنساء بان يخرجن عن عباءة ازواجهن ، حيث : المعلقين بتلقي الشكاوي هم اول من يحاول إقناع النعاء زواجهن ولذلك نجد أنه من النادر حدوث متابعات يتم طردها كالمصابة بالجروحها مع تهديدات بالقتل مر العاتي ، وفي بعض الأحيان: نتساءل كيف يمكن أن تحدث ممارسات من هذا القبيل في القرن الـ 21؟!

أن العادات و التقاليد الشعبية لا تسمح لنساء بأن يخرجن من عباءة أزواجهن، حيث ان ضباط الشرطة القضائية المكلفين بتلقي الشكاوى هم أول من يقنع النساء بعدم المطالبة بالعدالة في مواجهة أزواجهن، ولذا نجد أن من النادر حدوث متابعات قضائية، و غياب شبه تام للأحكام في هذا الشأن.

لن اتحدث عن سوء نية عن النظام القضائي . ساقول فقط بانه تم تجاهل ما هو اهم عندما تم التركيز على حماية وحدة العائلة بصرف النظر عن الفظاعات التي ترتكب فيها ، معتبرين أنها تهون في سبيل الحفاظ على وحدة العائلة وتماسكها . و غياب العقوبة هذا هو الذي يولد كافة انواع العنف ضد النساء و يشجعه.

ليست حالة ليونيدا ، للأسف ، حالة نشاز اً. إني استحضر كلويي ، 29 سنة ، التي أطلق عليها شريكها السابق وابلا من الرصاص لأنه لا يطيق رؤيتها تستعيد الحياة مع شريك آخر . كانت حاملا في شهرها الثامن و اخترقها الرصاص في الصدر و في الذراع، و رصاصتان استقرتا في الرأس ، عندما كانت تقود سيارتها .

أتذكر إرينا ، 22 سنة ، التي ذبحها شريكها قبل أن يضرم النار في الشقة التي كانا يسكنانها و معها طفلها الرضيع الذي لم يتجاوز عمره شهران و كتبت له النجاة . أتذكر كلوتيلد ، 35 سنة ، التي قتلها شريكها خنقا في سيارتهما . أتذكر يوهانا ، 27 سنة ، التي قتلها شريكها السابق أمام اطفالهما ب 14 طعنة سكين . كانت قد قدمت شكاوى عديدة أمام القضاء ، فكان يقول لها دائما : « لن تنعمي بالأطفال . سأقتلك و اذهب الى السجن او سيرسل الأطفال الي حضانة » . وكان الجميع يشاهد كيف كان يأتي لانتزاع الأطفال منها أمام المدرسة، لم يكن لها أي خيار والكل كان على علم بما يجري ، بما فيه سكان الحي والشرطة والقضاء ولكن أحدا لم يتصرف .

في سنة 2019 وحدها ، تم اغتيال أكثر من 100 امرأة من قبل الشريك في فرنسا وحدها، ولا أستطيع أن أدلي بالأرقام المرصودة في البنين حول المسألة ، لأنها معدومة .

تتم إراقة الدم البريء الذي لا يسكبه فقط المجرمون ولكن من بين أصابعنا نحن، من تحت رؤوسنا وفي قلوبنا ، خاصة .

إننا مذنبون جميعا كلما نما الي علمنا وقوع جريمة من هذا القبيل و لم نتصرف .

إننا مذنبون إذ لم نقدم يد العون لامرأة تشكو عنف زوجها . . .

إننا مذنبون عندما لم نتصل بالشرطة لإبلاغها عندما سمعنا أصواتا تتعالي من المنزل المجاور . . .

إننا مذنبون لأننا ادرنا النظر الي الجهة الأخرى عندما كانت تتعرض امرأة للضرب . . .

إننا مذنبون عندما نتظاهر بأننا لم نفهم أي شيئ عندما نرى امرأة تسير تحت الشمس الساطعة ، واضعة لحافا على عنقها او عندما تقول بأنها وقعت في المرحاض او بأن باب المنزل ارتد عليها بقوة وصدمها في الوجه.

أنني اتهم . . . اتهم كل واحد منا لسكوتنا المريب . يقول أنشتاين إن العالم لن يتدمر بأفعال الشريرين و لكن باحجام من ينظرون إلى الشريرين يرتكبون شرهم دون أن يحركوا ساكنا .

اليوم ، لم آت فقط لأحدثكم عن مأساة ليونيدا ، التي توجد حالات كثيرة بالآلاف شبيهة لها عبر العالم .

إنني اليوم أحمل اللواتي صوت المرأة الضعيفة الطيعة المستغلة، أحمل صوت كافة النساء اللواتي منعتهن قسوة الرجال من التمتع بجمال الحياة في إطار الزوجية . ارفع صوتي باسم كل تلك الأميرات اللائي يحملن ، قسرا ، وزر مظلمة مجحفة تدينهن قبل أن يولدن لأنهن ، ببساطة ، نساء . أتحدث باسم تلك السيدات اللائي قرر لهن عنوة أن انتهاك حقوقهن شيء عادي جدا . إني أرفض ان اظل متواطنا مع مرتكبي كل هذه الجرائم.

وأنتم ، ماذا قررتم فعله ؟

إنني اناشد المنظومة الدولية باتخاذ موقف . و إذا اردنا ان يحدث أي تغيير للموقف حيال حقوق المرأة فيجب ان تغير العقلية و المسلكيات و المعتقدات علي مستوي المجتمع و الرجال، و علي المستوي الرسمي.

ولكي تتوقف المذبحة ، فعلينا ، مجتمعين ، أن نقول لا . لا لكي نعطي فرصة امل لكل اللواتي يمتن ظلما . لا ، لكي يفهم الجميع ان حياة كل واحد منا مقدسة .

——-

*مرافعة الأستاذة جوزيتاتادي توبانو التي فازت بالرتبة الأولى في النسخة السابعة للمسابقة الدولية لمرافعات حقوق الإنسان