في الرابع عشر من شهر سبتمبر المنصرم، أعلن وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي سيد أحمد ولد أحمد، أن قطاعه بدأ عملية ترحيل حراس تفرغ زينه وأسرهم، إلى قطع أرضية عند الكيلو متر 13، في مقاطعة الرياض جنوب العاصمة نواكشوط، وأخرى بمقاطعة توجنين شرق العاصمة.

وقال الوزير حينها، في مقابلة مع قناة الموريتانية، إن “الحكومة تنظر إليهم على أنهم مواطنون يعيشون في ظروف غير إنسانية، وإذا لم تتم تسوية قضيتهم فستشكل عائقا اجتماعيا كبيرا في المستقبل، لأنهم يسكنون في وسط لا يستطيعون الاندماج فيه نظرا لظروفهم الاقتصادية، ولن يجد أبناؤهم فرصة للتقدم في السلم الاجتماعي، مما يجعل ترحيلهم إلى محيط اقتصادي واجتماعي يندمجون فيه، ضروريا من أجل أبنائهم”.

الآن وقد مضى شهر على انطلاق هذه العملية، التي تباينت الآراء الاجتماعية والسياسية حولها؛ فبعض الأحزاب السياسية ندد بالعملية، ووصفها بالظلم، وطالب بوقفها فورا، فيما دعن منظمات حقوقية هي الأخرى إلى “استيعاب الحراس في البيئة التي يسكنون فيها”، معبرة عن رفضها “إجراء أي ترحيل على أساس عرقي”.

الحكومة الموريتانية بدورها، وعلى لسان الناطق باسمها، وصفت الأمر بكونه نوعا من “المرابحات السياسية”، مؤكدة أن هذا الموضوع يجب أن يكون محل إجماع، حيث يتعلق بتحسين ظروف مئات الأسر، التي كانت تعيش في حالة مأساوية، وباتت بحاحة إلى لفتة خاصة من الدولة.

قمنا ـ في تقدمي ـ بزيارة “ترحيل الكلم 13″، حيث المكان الجديد لحراس تفرغ زينه السابقين، لنسألهم عن ظروف حيهم الجديد، ومدى توفره على الخدمات اللازمة للعيش الكريم، كما اتصلنا بوزارة الإسكان لتحدثنا بشكل مفصل عن هذه العملية، وكيف سارت مراحل تنفيذها، واستمعنا كذلك لرئيس “الميثاق” ليبين لنا الدافع وراء مطالبتهم بوقف العملية.

واقع حي الترحيل الجديد بعيون المرحلين:

على بعد نحو عشرين كيلوميترا من أماكنهم السابقة في مقاطعتي تفرغ زينة ولكصر تم ترحيل مجموعة من حراس الأماكن هناك إلى القطاع 13 بمقاطعة الرياض جنوب العاصمة نواكشوط، فيما تم ترحيل بعضهم الآخر إلى مقاطعة توجنين شرق العاصمة، وسنتناول في هذا التقرير القسم الأول فقط.

من شمال العاصمة وقلبها إلى جنوب العاصمة وأطرافها؛ في أكواخ وأعرشة نزل القاطنون الجدد بعد أن تولت الدولة نقلهم في عربات للجيش وزودتهم ببعض المواد الغذائية ومبالغ مالية لكل أسرة، ترقد بقايا القمامة بين الأكواخ والأخبية وتتكدس إلى الشرق من الحي، حنفيات عمومية وأسلاك أرضية لتوزيع الكهرباء ونقطة لبيع السمك المدعوم؛ ذلك هو عدة الزائرين الجدد.

ويرى المرحلون إلى هذا المكان ممن التقاهم فريق تقدمي أن المكان الذي تم ترحيلهم إليه عبارة عن مكب للنفايات لا يصلح للعيش، وتضيف إحدى الأمهات: “شظايا الزجاج المنتشرة في القمامة وبين الأكواخ والأعرشة تخترق أقدام الصبيان”، فيما تزكم رائحة القمامة المنبعثة أنوف الجميع وتُدخلها الرياح إلى داخل الأكواخ والأعرشة، فيما يزيد من تفاقم الوضع ملوحة التربة والرطوبة القادمة من المحيط الأطلسي الذي يبعد منهم نحو 4 كلم في فضاء مفتوح ومساحة غير مأهولة بالعمران، والحديث دائما للسكان المرحلين.

كثير ممن التقيناهم لا يبدون اعتراضهم الصارم على عملية الترحيل وإن كان أغلبهم يفضلون البقاء في المكان الذي قدموا منه نظرا لتوفر أساسيات الحياة فيه، ولكنهم في المقابل لا يخفون اعتراضهم وعدم رضاهم عن المكان الذي تم ترحيلهم إليه لافتقاره إلى الخدمات الاجتماعية الضرورية؛ حيث لا يصل الماء إلى منازل الأسر وإنما توجد حنفيات عمومية في الحي، وإن لم تكن المسافة بعيدة جدا عنهم إلا أنهم يواجهون صعوبة في نقل المياه إلى مساكنهم، وأحيانا يضطرون لحملها على أكتافهم، حسب شهادات من التقيناهم وأغلبهم فضل عدم الكشف عن هويته وعدم توثيق شهادته بالصوت والصورة، باستثناء ربتي المنزل اللتين تحدثتا إلينا عبر الكاميرا (وتجدون جزءا من حديثهما مرفقا على شكل فيديو.

وكما هو الحال مع الماء فإن الكهرباء هي الأخرى غير متاحة بالشكل الرسمي المعتمد، وإنما كل ما هو متاح هناك هو فقط الطريقة غير الشرعية المعهودة في الأحياء العشوائية، ويشكو السكان من خطرها المعروف على الأطفال والمارة حيث تنتشر الأسلاك الكهربائية على الأرض بشكل عشوائي وغير منظم.

أما على مستوى التعليم فيشكو السكان من عدم وجود أي مدرسة في الحي جاهزة للاستخدام الآن، بل هناك فقط مدرسة قيد الإنجاز، ويتساءل المرحلون هناك “إذا كان العام الدراسي قد بدأ بالفعل وماتزال المدرسة الوحيدة هنا في المراحل الأولى من إنشائها فأين سيدرس أبناؤنا هذا العام؟!”، مضيفين أنه لا توجد أيضا أي مدرسة أخرى قريبة من المكان، ما يعني بالنسبة لهم أن هذه السنة ستكون “سنة بيضاء”.

أما على صعيد الرعاية الصحية؛ فيرى القاطنون الجدد أنه لا يوجد أي مستشفى قريب من المنطقة يمكنهم التنقل إليه بسهولة، وتضيف إحدى الأمهات: “قبل ليال ازدرد أحد الأطفال قطعة نقدية وواجهتنا مشاكل عديدة في الوصول إلى المستشفى نظرا لعدم توفر سيارات النقل هنا ولبعد المكان من قلب العاصمة، واقتضى الأمر وقتا طويلا من أجل الوصول إلى مستشفى الصداقة ومباشرة عملية إنقاذ الطفل”

ويشكو القاطنون الجدد عدم توفر الأمن  في مضاربهم الجديدة، حيث “تم تسجيل حالات سطو عدة في فترة زمنية لا تصل الشهر” منذ قدومهم إلى هنا، ويطالبون السلطات بتوفير الحماية اللازمة لهم حيث يعيشون “في أعرشة وأخبية لا يمكن أن ترد طفلا أحرى أن تعترض سبيل لص سارق”.

أما حجر الزاوية بالنسبة لهؤلاء فهو البحث عن بديل لما ألفوا من حياة هناك في تفرغ زينة “حيث العمل متوفر وبإمكان الصغير أن يعمل كما الكبير، وبإمكان جميع أفراد الأسرة أن يعملوا دون أن يبتعدوا عن منازلهم”، أما الآن فيتملكهم الخوف من مستقبل الحياة بالنسبة لهم، حيث لن يتمكن فريق كبير منهم من مزاولة الأعمال التي كان يقتات منها نظرا لبعد الشقة ولحاجة المكان الجديد إلى من يمكث فيه من الأسرة وبذلك سيفقد عمله السابق في حين أن لا أمل يلوح في القريب العاجل لمحاولة التأقلم مع أعمال جديدة في بيئة أخرى مختلفة، بينما من سيحالفهم الحظ لمواصلة أعمالهم السابقة فسيكون أمامهم تحدي توفير مصاريف النقل جيئة وذهابا نحو مكان العمل علاوة على الوقت الذي سيتطلبه ذلك.

يشكر المقيمون الجدد للسلطات توزيعها عليهم كميات من المواد الغذائية عند قدومهم إضافة إلى أعطيات نقدية (72.500 أوقية قديمة)، وهناك منهم من ينفي حصوله على “أي مساعدات نقدية أو غذائية ولا حتى على قطعة أرضية”، فيما رأى بعضهم أن ما حصلوا عليه حتى الآن من مساعدات غير كاف، وقد تحدثت إحدى الأسر فيهم عن وجود حالات إسهال بسبب المواد الغذائية التي وزعتها السلطات عليهم فور مقدمهم.

ميثاق لحراطين ومطالبه بتوقيف العملية

أما رئيس “ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين” يرب ولد نافع فيرى ـ في حديثه مع تقدمي حول تقييمه للعملية ـ أن الهدف من الترحيل الذي تم القيام به مجرد “الإمعان في تهميش وإقصاء هذه الفئة”، مضيفا: “ظهر جليا من خلال هذا الترحيل أن السلطة ترى أن هذه الفئة لا يحق لها أن تعيش في أحياء تفرغ زينة الراقية”، ورأى أن السلطات كان عليها تكثيف التخطيط والدراسة والنظر في جوانب الموضوع المختلفة قبل أن تقدم على هذه العملية بشكل ارتجالي ويطبعه التمييز.

وأبدى ولد نافع اعتراضه القاطع على عملية الترحيل “نظرا لأن المنطقة التي تم ترحيلهم إليها غير مستصلحة وتفتقر لأدنى متطلبات الحياة حيث لا ماء ولا كهرباء، وتفتقر إلى البنية التحتية الضرورية من مدارس ومستشفيات ومساجد، وهي بذلك كله عملية غير ناجحة بالمرة ولا يمكن الاستمرار فيها ومواصلتها”، داعيا إلى توفير مشاريع لهم للعمل فيها عوض أعمالهم السابقة التي لم يعد بإمكانهم مواصلة مزاولتها نظرا لبعد المكان.

ورأى ولد نافع أن عملية الترحيل هذه تختلف عن جميع العمليات السابقة حيث لم يسبق وأن تم ترحيل مواطنين من أماكن عملهم في مقاطعة تفرغ زينة باتجاه أطراف المدينة النائية، “ولذلك فمن الطبيعي أن تأخذ الضجة الكبيرة التي لم تأخذها عمليات الترحيل السابقة نظرا لسياقها غير الطبيعي، إذ كان الأولى أن يُعطى هؤلاء الحراس قطعا أرضية في تفرغ زينة بدل مواصلة توزيعها على أصحاب النفوذ فقط ” يضيف ولد نافع.

وختم رئيس الميثاق بالقول إنه إذا كانت السلطات تصر على ترحيل هؤلاء العمال فكان الأولى بها أن تعتمد إحدى خيارين:

ـ أن يتم نقلهم إلى محيط جامعة نواكشوط العصرية ومستشفى القلب أو إلى “عين الطلح” وتلك المناطق الشمالية القريبة من أماكن أعمالهم وارتباطاتهم.

ـ أن يتم ترحيلهم إلى المناطق النائية في أطراف العاصمة ولكن بشرط أن يتم استصلاح المكان عبر تزويده بجميع الخدمات الضرورية والبنية التحتية الأساسية (من توفير للماء والكهرباء وبناء للمدارس والمستشفيات والمساجد) بالإضافة إلى بناء مسكن لائق للعيش (بيتين ومرحاض على الأقل) حتى يتمكنوا من العيش بكرامة بدل النزول على مكب نفايات العاصمة على مدى عشرات السنين.

وزير الإسكان ورؤيته لسير العملية

وقد حملنا هذه الصورة مجتمعة إلى وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي لنستطلع رأيها في الموضوع ولإتاحة الفرصة أمامها للتوضيح وللرد على ما طرح المرحلون من أسئلة واعتراضات؛ فاقترح علينا الوزير الاتصال بالمسؤول المباشر عن هذه العملية وزودنا برقم هاتفه للاتصال عليه لكنه ـ وعلى مدى يومين ـ لم يكن يرد على اتصالاتنا، فقرر الوزير تولي الأمر وإعطاءنا “بعض المعلومات الأولية” ـ حسب تصريحه ـ في انتظار رد المسؤول عن العملية الذي لم يرد.

يرى الوزير سيداحمد ولد محمد أن المكان الذي تم ترحيل الحراس إليه ليس مكبا للنفايات وإنما يمثل مكانا سبق وأن كان مأهولا بالسكان في فترة سابقة قبل أن تغمره مياه الأمطار، ونفى الوزير أن تكون المدرسة ـ التي تُشيَّد الآن هناك ـ في مراحلها الأولى، مضيفا أنها ستنتهي في ظرف 20 يوما.

أما على مستوى الخدمات الصحية فقد ذكر الوزير أن “كرفور باماكو” غير البعيد من الحي الجديد يوجد به مستوصف وبإمكانهم التوجه إليه عند كل طارئ، وعلى صعيد المياه رأى أن الحي سيتم تزويده قبل نهاية الأسبوع ـ الأسبوع الماضي ـ بخزانات للمياه تكفي لحل المشكلة لأن الخزانات التي تم وضعها في البداية لم تعد تسع الجميع بعد أن ازدادت الكثافة داخل الحي بفعل مواصلة عملية الترحيل.

وعن فقدان بعض المرحلين لأعمالهم السابقة وعجزهم عن مواصلتها يرد الوزير سيداحمد بأن مندوبية “تآزر” ستعمل معهم من أجل توفير مشاريع مدرة للدخل.

ويختم الوزير بالقول إن جميع مطالب هؤلاء السكان ـ نحو التحسين من ظروف عيشهم ـ مشروعة، مضيفا أن الدولة لا تألو أي جهد في سبيل ضبط العملية وتسييرها على ما يرام، وإن كان يعترف بوجود “فوضوية في عمل الإدارة وبطء فيها”، متعهدا بالعمل من أجل تذليل كل تلك العقبات.