في معرض رده على ”سؤال جوال“ حول ملاحظاته على مسار ملف العشرية، الذي يتهم فيه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز و بعض رجال نظامه، قال الصحفي الموريتاني الكبير موسى ولد حامد (المدير الناشر لصحيفة بلادي الناطقة بالفرنسية) ما نصه:

السؤال عن ملف العشرية سؤال عميق ولا أعرف بالضبط من أين أبدأ بالحديث عنه، ولكن من الناحية المنهجية، سأحاول الحديث عن الملف بشكل عام منذ بداية التحقيق البرلماني إلى المرحلة التي وصل إليها الآن، مرورا بجميع المراحل التي مر بها، وتداعيات ذلك على الناحية السياسية والقضائية.

هناك ملاحظة أولية حول هذا الملف وهي أنه بمجرد إحالته إلى القضاء أصبح لدى الرأي العام وكأنه قد حكم على المتهمين بجميع تلك التهم الموجهة إليهم، فهو لم ينتظر حكم القضاء عليهم. وأصبح اهتمام الناس منصباً على تحركات وأفعال الشخصية المحورية في العشرية الماضية وهي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لدرجة أن الملف لم يعد ملفا قضائيا بحتا ولا ملفا سياسيا بحتا على الأقل لدى الرأي العام.

والناظر إلى هذا الملف سيلاحظ عدة أمور جديدة علينا، فعادة عندما يأتي نظام جديد هنا أو في الدول المشابهة لنا، ويكون النظام الأول متهما فإنه يتم أولا تخمين المتهمين ثم يتم بعد ذلك جمع الأدلة، ولكن ماحدث هنا هذه المرة هو شيء مختلف حيث تم أولا تشكيل لجنة برلمانية وهذه اللجنة حسب الواضح أنه تم تشكيلها من طرف البرلمان في استقلال تام عن الجهاز التنفيذي، ومما يثبت ذلك وجود معارضين داخلها، وأتمت هذه اللجنة عملها وأعدت تقريرها ورفع الملف إلى القضاء، وهذا يتناسق مع الطريقة التي عولج بها هذا الملف؛ أي أنه ظل ملفا قضائيا بحتا لم يتدخل فيه النظام، أو هذا هو الظاهر – والله أعلم إن كان ذلك بتلك الدرجة من العمق أم لا- ، لكن السمة المهمة أنه لم يتم إرسال المتهمين عشوائيا إلى السجن، وهذا أمر مهم حتى ولو كان الرأي العام قد تعجل وأدانهم لكن الحكم الحقيقي للقضاء ويجب أن يمنح وقتا لذلك.

ثم إنه لم يتحدث أحد هؤلاء المتهمين، ماعدا واحدا بالإضافة إلى المتهم الرئيس أي الرئيس السابق الذي يحاول خلال خرجاته الإعلامية ومن خلال طريقة تعاطيه مع ملف الاتهام أن يجعل منه قضية سياسية بحتة. فهو يتهم المعارضة بأنها وراء هذا كله، فهي تحاول إفساد البلد  وتحمل له ضغينة سببها مساره الإصلاحي الذي كان يتبعه طيلة حكمه، كما يحاول أن يظهر نفسه بمظهر المضطهد، بينما يحاول النظام والقضاء أن ينفيا أي علاقة أو ارتباط للملف بالسياسة، وإنما هو نتيجة سوء تسييره فترة حكمه واختلاسه للأموال العامة وغيرها من التهم التي وردت في الاتهام الرسمي الذي أصدره وكيل الجمهورية.

وقد أثبت وكيل الجمهورية التهمة على بعض المشمولين بملف الفساد وبرأ بعضهم، وأرى أن هذا أيضا جديد، حيث أننا تعودنا على أن المتهمين يتم إدخالهم للسجن مباشرة قبل تمييز المدان من البريء.

كما أرى أن إحالة الملف لقطب التحقيق وما ترتب عن ذلك من تشابك الأحداث وطول المدة التي أخذها مسار التحقيق لتشعب هذا الملف قد استغلها الرئيس السابق وظهر في خرجات إعلامية متعددة وحاول دخول السياسة عن طريق حزب معين من أجل أن يجعل من قضيته قضية سياسية، وأن يجعل من نفسه مظلوما.

عندها قيد القضاء من حريته وحركته. وهنا يجب طرح تساؤل عما إذا كان هدف القضاء من هذا التصرف هو  ألا يؤثر الرئيس السابق بخرجاته  ونشاطاته على مجرى  القضاء أو هي مجرد لعبة سياسية يحاول النظام من خلالها سحب المتهم  بهدوء نحو السجن؟ وعلى القضاء الإجابة عن هذا السؤال.

ومما يلفت الانتباه حضور أنصار الرئيس السابق بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي، كما قد تعامل هو شخصيا مع مكتب فرنسي للتواصل، ومن خلاله استطاع أن يمنح أحد محاميه الفرنسيين الحديث في إحدى شبكات التلفزيون الفرنسي ليؤكد على أن موكله مظلوم. فهو إذن كان يتبع مسارا معينا، يحاول من خلاله الوصول إلى الرأي العام الدولي، فقد أجرى مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية وتحدث محاميه في تلفزيون وإذاعة فرنسيين، وتقييد حركته سيؤثر على هذا المسار، فهو أكثر نشاطا من الجانب الآخر، فالنظام الحاكم لديه نوع من الاحتشام من التحدث في هذه الأمور لأنه يعتبرها أمورا قضائية ويجب تركها كذلك، وإذا كانت لديه تحركات في الموضوع فهي غير معلنة. ولكن مما أضعف مردودية نشاط الرئيس السابق هو أن الرأي العام الدولي مشغول الآن بكوفيد١٩ وتداعياته خاصة في فرنسا، فهو أكثر أهمية عنده من الانشغال في أمور داخلية لدول بسيطة كموريتانيا. هذا بالإضافة إلا أنه متهم بالفساد وتبديد الأموال والرشوة وغيرها، وعادة إذا اتهم حاكم إفريقي بهذه التهم فإن الرأي العام الدولي  يراه كذلك لاشتهار هذه الدول بعدم الشفافية في التسيير، وهذه هي نقطة ضعفه أمام الرأي العام الدولي، وكذلك الرأي العام الوطني الذي لاينتظر الآن إلا تنفيذ الحكم فيه.

فإلى أين سيحيلنا هذا كله؟ أرى أنه  كلما طالت المدة كلما كان ذلك في صالح المتهم الرئيس أكثر منه في صالح القضاء أو الدولة، لأنه يسهل علينا خلط الأمور؛ بمعنى أنه إذا لم يرضى الناس اليوم عن التسيير ويصبح الحديث سلبيا عن النظام في وسائل التواصل فإنه من السهل خلط ذلك بقضية الرئيس السابق. وبالتالي فإنه إذا طالت المدة كثيرا فمن الممكن أن يجد المتهم الرئيس متنفسا أو مخرجا وقد يكون ذلك سلبيا على السلطة. هذا بالإضافة إلى قضية أخرى  أكثر أهمية حسب رأيي وهي أنه إذا كان الرئيس الحالي ينوي الترشح لمأمورية ثانية فإنه سيلطخ مأموريته الأولى بهذا الملف إذا لم تتم تسويته بسرعة.