في معرض رده علىسؤال جوالحول ملاحظاته على مسار ملف العشرية، الذي يتهم فيه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز و بعض رجال نظامه، قال النائب البرلماني عن حزب التحالف الشعبي التقدمي المعارض أسغير ولد العتيق:

في الحقيقة ما أعرفه عن طريقة التعامل مع ملف العشرية هو ما قمنا به هنا في الجمعية الوطنية، حيث استمر التحقيق لمدة ستة أشهر وكان ذلك التحقيق عملا جبارا ومثمرا ولأول مرة في تاريخ موريتانيا يقام بعمل بهذا الشكل.

وقد أحيل ذلك الملف إلى القضاء وأرى أنه لم تتم متابعته من قبل القضاء متابعة دقيقة أي نقطة بنقطة كما جرى هنا على مستوى الجمعية الوطنية. حتى أنه لم يتم استدعاء أو مساءلة جميع المشمولين، والله تعالى أعلم بما دار هناك.

وعلى أية حال فإن هذا الملف الذي هو بين يدي القضاء الآن يجب أن يجنب تلك التجاذبات وأن يترك للقضاء حتى نرى الحكم النهائي ونعرف إن كان سار تبعا للمسطرة القانونية والإجرائية أم أنه سلك طرقا ملتوية وتم التأثير عليه من الخارج.

وسأتطرق هنا لمسألتين: الأولى أننا لا نطالب بشيء أكثر من إيجاد محاكمة عادلة للمتهمين.

والثانية أننا نطالب برد أي أوقية للشعب الموريتاني في ذمة أي مسؤول موريتاني بطريقة قانونية وموضوعية بدون أن يحس المتهم بأن فيه أي نوع من الاستهداف له أو شخصنة الأمور أو انتهاك حرماته. 

المهم أنه يجب أن يسترجع الشعب الموريتاني أمواله التي نهبت، والجميع يعرف أن موريتانيا منذ الستينات وحتى اليوم وهي تنهب، لكن فعلا ما حصل في العشرية الماضية من الفساد غير مسبوق، فهي الوحيدة التي تم فتح ملفاتها وقد شوهد في تلك الملفات من الفساد ما لا يمكن وصفه، وأعرف أن الفساد كان موجودا قبلها ومازال مستمرا بعدها لكن هذه الملفات التي اطلعنا عليها حتى الآن من العشرية تحتوي على فساد مرعب، وبالتالي يجب استرجاع واسترداد أموال الشعب الموريتاني واستثمارها أيضا، فلا نريد لها أن تسترجع من الباب وتخرج من النافذة بل نطالب بأن تستثمر فيما ينفع المواطنين ويعود على الدولة كذلك بالنفع. 

أعرف أنه خلال فترة عمل اللجنة في الجمعية الوطنية لم يتعرض النواب لأي تأثير من السطلة التنفيذية وخصوصا من رأس السلطة، وهذا في الحقيقة مفيد ومهم وأساسي في سير المسطرة القضائية والمسطرة القانونية والمسطرة التشريعية، فبالتأكيد أن الموقف الذي ظهر من رئيس الجمهورية كان موقفا حياديا، وأن السلطات تعمل بشكل مستقل طبقا للمساطر القانونية والإجرائية، وهذا موقف مهم ومساعد إلى حد كبير في أن تأخذ المياه مجاريها الطبيعية.

وعلى أية حال فالملف لازال في يد القضاء ومادام كذلك فينبغي أن يترك الخوض فيه وأن يتابع متابعة دقيقة ، وأن تتم محاكمة المتهمين محاكمة عادلة من غير أن يكون فيه استهداف أو انتقام، بل يكون ذلك طبقا للعدالة الحقيقية لأن العدالة تختلف عن الانتقام، فمن تجاوز القوانين والأعراف الديمقراطية في اختلاسه ودكتاتوريته، لايجوز أن يسلك به في محاكمته أو عقابه نفس الطريق بل يجب أن يرى  كيف تكون العدالة الحقيقة لكي يشعر أنه فرط فيما مضى في اتباع القوانين واحترامها واحترام المبادئ والأساليب الديمقراطية والشفافية. وهناك الكثير من القوانين التي صادقت عليها موريتانيا دوليا ووطنيا وما صادقت عليه الجمعية الوطنية في فترات ماضية مما يتعلق بالشفافية وحسن التسيير والرشوة إلى آخره ويجب تطبيق هذه القوانين فقط، فالشعب لا يريد شيئا أكثر من تطبيق القوانين وأن يسترجع جميع ممتلكاته وأن يتم تسييرها بطريقة شفافة سواء هذه الموجودة اليوم أو تلك الماضية المنهوبة في العشرية و ماقبلها.

هذا ما لدي لأقوله حول هذا الملف وأعرف أن موريتانيا منهوبة وتحتاج إلى يقظة من الشعب وإلى قبضة من حديد من القضاء، كما تحتاج إلى دور قوي ونشط وسريع من الجمعية الوطنية ومن الغرفة التشريعية خصوصا في مجال الرقابة والتحقيقات في ممتلكات هذا الشعب، فمن المفترض ألا تكون موريتانيا في هذا الوضع بل أن تكون من أرقى دول العالم لما تحويه من خيرات وأموال، وأشهد أنها دولة قوية وصبورة لأنها منذ ستين سنة وهي تنهب ومازالت منها بقية ننقاش نحن اليوم حولها وحول طريقة تسييرها.

وما أطالب به أنا شخصيا وجميع الموريتانيين هو استرجاع أموالهم عن طريق قانونية بدون أي استهداف او انتقام من أي مواطن موريتاني لكنه إذا كانت لديه أوقية واحدة للشعب يردها، وهذا هو المهم، والمحافظة على الموجود أولى من طلب المفقود، ويكفي من النهب ومن السرقة ومن أكل أموال الشعب، ومن المفترض أن يستحي الناس من مثل هذه الأفعال حتى يغيروا من هذا الوضع. 

وكما قلت في البداية فأنا لا علم لي إلا بما رأيت وتابعت وما قمنا به هنا، ومن المؤكد أنه كان إلى حد ما نزيها، لأن أطرافه كانت مختلفة وكانت تتابعه بجدية، رغم أنه لايوجد شيء هنا إلا وتتم محاولة تسييسه وإدخاله طرقا ملتوية، و قد تعودنا على ذلك حتى وإن تم إنجاز أمر بطريقة مستقيمة فسيتهم بعكس ذلك، لأنه لا يوجد أمر تستطيع أن تقطع وأن تثق بأنه تم بطريقة نزيهة حتى ولو كان كذلك بسبب التعود، فالإنسان إذا تعود على شيء يصبح غيره باطلا بالنسبة له.

فالموريتانيون مخادعون والأمور عندهم لا تأخذ أبدا مجراها الطبيعي حتى في العدالة وبالتالي فلا أستنكر أن يكون هذا الملف قد سلك طرقا غير سليمة بل بالفعل هذا ماوقع، لأن المتهمين كثيرون ولم يتم استدعاء إلا القلة منهم، فلماذا لم يتم استدعاء البقية؟ سؤال محير للموريتانيين، قرابة ثلاث مائة متهم لم يستدع منها إلا ٣١ شخصا أي تقريبا ١٠% فلماذا وماهي الطريقة التي تم بها ذلك هل تم اختيارهم عن قصد أم بسحب عشوائي أم ماذا؟ إذن كان يجب أن يتم التحقيق مع جميع المتهمين وبعدها يبرؤهم القضاء أو يدينهم فهو الذي له الكلمة الفصل، ومن برأ منهم فهو بريء ومن أدان يرجع إلى الشعب من ألزمه به القضاء بطريقة واضحة وسلسة، لكن لا يمكن أن تجر الأمور في موريتانيا مجراها الطبيعي لأن جميع السلطات سواء التنفيذية أو القضائية أو التشريعية مسيسة، والبعض يقصد من وراء تلك الأفعال التقرب والتزلف لشخص ما، والبعض يفعل ذلك من أجل الانتقام ، وقد تكون قضية ما عادلة ونزيهة لكن يتهم أصحابها بالعمالة للأجانب، يعني الموريتاني لم يتعود على الاستقامة ولذلك لايمكن أن يستقيم نهائيا مهما كلف الأمر، كما أنه غير متعود على العدالة، ولن يقتنع الشارع بأن البرلمان والقضاء كانا عادلين في تحقيقاتهما، وأن السلطة التنفيذية مستقلة ولم تتدخل في عمل القضاء حتى ولو كان هذا هو الواقع، لأن تربية ستين سنة لن تمحى في سنتين أو ثلاثة، وبالتالي فأنا لا أنكر بل أخشى أو أعرف أن الملف سيكون قد اتخذ اتجاهات سياسية لأن هناك من لديه أغراضا سياسية ومن لديه أغراضا انتقامية أو حاجات أخرى في نفوسهم.

لكن يبقى أملنا في القضاء أن يكون قضاء مستقلا ويراعي مصلحة الشعب الموريتاني والمصلحة العامة، وأن يبقى هذا درسا للمستقبل ولمن يسير البلاد الآن، لكي يعرفوا أنه لن تحمي أحدهم غدا قبيلة ولا عشيرة ولا فئة أو طائفة من أن يمثل أمام القضاء، وإذا كان قد أخذ شيئا من المال العام أن يرده، وهذا هو المشكل الوحيد بيننا فإذا فعلوا فهم أخوة لنا وقد عملوا وخدموا لكن ما نرفضه هو السرقة، وليس هناك مسؤول منذ قيام الدولة وحتى اليوم يمكن أن ينفي عن نفسه صفة السرقة لأنه إما قد سرق المال أو الوقت أو غيره، أو شارك في فساد الإدارة، وفساد الإدارة هو الذي نتج عنه الفساد المالي، ولذلك فالموريتانيون يطالبون بكل جدية باسترجاع أموالهم لكن بطريقة قانونية، ومن يغضبه أن يتهم أو يحاكم بتهمة أكل المال العام فكان عليه الابتعاد عنها أصلا حتى لا يدرج في اللائحة.