” في إحدى الإدارات كان يعمل أحد الموظفين.. موظف لا نستطيع أن نقول عنه إنه بارز جدا، بل كان قصير القامة مجدورا إلى حدما، وأحمر الشعر إلى حد ما، بل ويبدو أعمش إلى حدما، بصلعة صغيرة فوق الجبين وتجاعيد على الخدين.. أما فيما يتعلق برتبته، ولأنه من الضروري عندنا أن نعلن عن الرتبة قبل كل شيء، فقد كان ممن يسمون المستشارين الاعتباريين”، ليس هذا المقطع سوى مقطع من عمل أدبي يحمل اسم “المعطف”.

إنه العمل الأدبي اللغز، سواء من حيث الثيمة التي يتناولها، أو من حيث التأويلات والإسقاطات المختلفة التي كان موضوعا لها، أو من جهة التصنيف الأجناسي له.

ورغم تراكم السنوات وتعدد المدارس والرؤى، وكذلك رغم التحولات الأدبية والنقدية والفلسفية الكبرى، على مدى أكثر من قرن ونصف، ما زال “المعطف” يثير غبار النقد والنقاش والاختلافات.

كاتب العمل هو الروائي الروسي نيقولاي غوغول. ويتناول قصة يوميات عامل في إحدى المؤسسات يسمى أكاكي أكاكيفيتش، يعيش حياة مضطربة وبئيسة مليئة بالعوائق والمنغصات، على مستوى عمله وكذلك على مستوى وضعه الاقتصادي، إلا أن المحير في هذا العمل هو قصة ذلك المعطف أو على الأصح المعطفين، وكذلك تشظي شخصية أكاكي أكافيتش ما قبل الموت وما بعد الموت، وهذا التداخل بين الواقعي والمتخيل.

لقد أشعل هذا العمل منذ أكثر من 172 عاما، الكثير من الجدل والآراء والقراءات المختلفة، ولعل أبرزها ما دار حول جنسه الأدبي، فإن كان هناك من وصفه بأنه أعظم عمل أدبي من نوعه على الإطلاق، إلا أن جنس هذا العمل ما زال محل خلاف حتى اليوم، فبالصفحات التي تناهز المائة، هناك من يعتبر “المعطف” رواية وهناك من يعتبره قصة، وما زال الجدل محتدما بشأنه.

ش.نوح