بيوت التلاقي(التلاقي لسبب او لآخر) عندنا قليلة لكنها موجودة،انها مناطق تماس وتلاق يومي تقريبا بين الأغنياء ومتوسطي الدخل والفقراء،في بيوت التلاقي بمغارة تفرغ زينة العظيمة لاحديث هذه الأيام الا عن أغنياء ومصطافي النظام الجديد في مدن أوروبا،ففي لاس بالماس بصفة خاصة لاحظ بقلق وحزن المصطافون “الأصليون” من أثرياء الأنظمة السابقة وأبناء رخص الصيد وتمويلات المشاريع والجنرالات دخول قوافل من أشخاص يصفونهم بأنهم أقارب الرئيس ومحدثو النعمة،يتندرون على طريقة سيرهم وطريقة لبسهم وفساتين نسوتهم المكشكشة الحواف، واسبانيتهم التي تعود لسنتين فقط،ينعتهم منتقدوهم بأنهم قادمون من الريف الموريتاني والصرافات وفي أحسن الأحوال من الصين الشعبية،كما يسمون رطانتهم بالرخام المكسر..صدقوني لو قلت لكم إن بيوت التلاقي في العادة ثرية بأفكار أصحابها ونوادرهم وطرفهم وطرائق تفكيرهم وحتى في طريقة لعن كل أمة منهم للأمة التي تأتي بعدها او تلك التي أتت قبلها.

غاضبون حانقون لأن وافدين يتزودون بالقديد والسمن -بزعمهم- سيخطون ذات خطواتهم،وسيشقون ذات طرقهم للترفيه والاصطياف واكتساب عادات وأنماط تمليها الدعة التي يجب أن يظهر بها أقارب حكام موريتانيا..لماذا الغضب والانتقاد وكلكم سلكتم بأموالنا ذات الدرب!!

ففي النهاية الجزر الاسبانية ليست ملكية خاصة،انها جزر أوروبية تقتات على فساد الأنظمة الجنوبية،ومن أجل ذلك تقبل بعاداتنا وأنماطنا الغريبة في كل تفاصيلها وجزئياتها،تقبل بالهركول وهي تتدحرج بسبب قشرة موز لم تعرف طريقها الى القمامة، وبالعنجوج وهو يطل على الجيران بحثا عن معلومة قد لاتكون مهمة،كما تقبل الجزر أيضا بقمامتنا وصراخنا ونحن نتحدث وبعدم شكرنا للناس وافتقادنا للاتيكيت واللباقة ثم تقبل طبعا بحفاظات أطفالنا الملقاة في الشارع،ويتساوى في هذه التصرفات قدماء المستفيدين و حديثو النعمة.

إنها مشاكل ملاكنا وسادتنا وهواجسهم التي تؤرقهم و يناقشونها دون حرج أمام متوسط حال لايفهم ضرورة دفع مستحقات التأمين باستمرار لشركة اسبانية كل سنة وبعملة أخرى غير الأوقية،وطبعا لايستكنه الدخيل بديهة كيف يحصلون على هذه الأموال مع علمه بأنه لم يولد أي منهم تحت نجمة مشعة او بملعقة من ذهب في فمه..يحاول أن يفهم بعض العبارات ويتهجى في الوجوه معاني منطوقات  تمر بين الفينة والأخرى لكنه لن يستوعب الخطب، فهو هناك فقط نقطة استدلال عليهم ومرجع مقارنة لاغير،لذا فليس له ان يتعب نفسه في محاولات يائسة لفك شفرة الأحاديث.

من أحاديثهم تدرك عمق مأساة هذا الوطن: اليوم تم تعيين فلان كوريث لشيخ قبيلته فلان، أما فلان الآخر الموصوف بالتعيس، فلم يعين بعد التهامه لمشروع بقيمة مليار اوقية،فعلها دون ان يرف جفنه،ومع هذا فقد “ظلمه” النظام السابق وهاهي “مأساة” تهميشه تتكرر مع نظام غزواني.

يتحدثون عن الحسابات وعن التحويلات وعن آخر ظهور لفلان وكيف استطاعت المجموعة الفلانية دون غيرها الوصول الى قلب الحاكم.

انهم خبراء وخبراء فعلا في المال وحركته وقانون الضرائب والمالية ويعرفون كيف يحيون شركة في دقيقة ثم كيف يفلسونها في ثانية وكيف يفرقون دمها بين أسطر اضمحلت واندرست لينضم البواب لوحده الى قائمة عسس لم يحصلوا على رواتب أشهر احتضار شركاتهم.يبهت الدكاترة والمختصون أمام هؤلاء، فأصحاب الشهادات لم يطبقوا قط أما هم فطبقوا منذ نعومة أظافرهم جميع النظريات مقلوبة وتحايلوا على القانون بثغراته وضعف “مناطقه الحساسة” حتى ابتلعوا باطن الأرض بعد ظاهرها وعلموا أولادهم بمالنا وسودوهم على أبنائنا بمبدأ الأفضلية الذي منحتهم الدولة اياه منذ ماقبل التأسيس..انهم يصنعون حاضرهم ومستقبل أبنائهم بتجويع ماضينا وقتل الأمل في مستقبل أبنائنا،ومع هذا لاتمر صفقة دون أن ينتقدوا حصول شخص آخر عليها ويقدمون الأدلة العلمية الواضحة على عدم شفافيتها اذ لم يستفيدوا منها!

في المجالس هذه يثير الشفقة ذلك القريب البائس الذي يتملقهم فيضحك لهذا ويعبس في وجه ذاك استراتيجيا وارضاء لضرع ينكعه منذ أشهر..

لايغضبني شيئ بقدر محاولاتهم جري للسخرية من محدثي النعمة ومنافسيهم في الاستفادة والتمظهر وتنظيف بوفيروس وتقشير خلايا الأقدام وشراء السواك والعطر ومرطب الابط من لاس بالماس او باريس او أي مدينة في العالم.

لن أسخر منهم كما سخرتم، فلامشكلة لي معهم او معكم، وانما مع الأنظمة التي صنعتكم وقسمتنا في وطننا الى محظوظين بالقوة وعديمي الحظ بالقوة اما بعد ان تسرقوا وتنهبوا الثروة فيسرني اصطيافكم واحتكاككم بالآخر وتنظيفكم الأبدان وتعليمكم النساء كيف يستخدمن “الميك آب” دون اطناب مقزز مع نصيحتي لكم بضرورةالتركيز على تثبيت الأطفال في الافعوانية..شعور جميل حقا،فعلى الأقل سيكون لدينا لصوص يحسن السكوت على أشكالهم ويمكنهم خداعنا بصريا فطالما بحثنا في صمتنا عن مسوغ لصمتنا وعدم انتقامنا وجرينا خلف الناهبين، وبهذه الأشكال المحترمة يمكننا تبرير جبننا لأطفالنا بقولنا إنهم ليسوا لصوصا،فاللص هو القذر الذي يسرق قنينة الغاز وليس ذلك الذي يستحم ويتعطر ويلبس أحسن الثياب ويصطاف كل عام في لاس بالماس.

استمتعوا آل الرئيس وصحبه والتابعين بثروات البلاد، فاليوم خمر وغدا أمر..لكن هل لهذه البلاد غد!!

الغد هو اليوم الذي لايأتي أبدا ولهذا سنظل عبيدا لدى من استيقظوا قبلنا وهددونا بسلاح نعرف جميعنا انهم لايجيدون استخدامه وانما الخشية الدائمة من أهل لخل جعلنا نخضع ونستسلم لأهل “لخيام”.

موسم الهجرة بأموال الشعب الى مدائن المتعة والرفاه ليس بدعا،فقد بدأ من الجنوب ومر بالشمال والوسط وهاهو ينطلق من الشرق وسيظل الشعب في جميع هذه الجهات بائسا يائسا يكتشف الأرض بحافره كحمار المسعدي لكنه أبدا لن يرفع رأسه الى السماء لاكتشاف القوة والسمو والأنفة.