في الوقت الذي يشتهر به القادة العسكريون بصولاتهم وجولاتهم في ميادين الحرب والقتال وبالذود عن حياض الوطن والوقوف في طريق الارهاب والجرائم العابرة للحدود،يعيش جنرالات اتشيلي حروبا أخرى قد لايصدقها الكثيرون، وقد يعتقد بعضهم ان هذا المقال من تجليات تلك الحرب او انه يصب في مصلحة واحد منهم،لكن لايهم، فالمهم هو التحليق بكم الى حرب النجوم ومقاتلي العالم الافتراضي،فخلال شهر يناير من عام ثمانين تلقى أحد صحافيي سانتياغو اتصالات من بعض الاخوة يطلبون فيها التدخل لدى المدون “بيكو” لحذف تدوينة كتبها وتتعلق بالجنرال “ابيدرو” وعن قبيلته العظيمة،فقد تحركت الجمهورية للخبر وأرسل القادة في المدائن حاشرين لمحو مثل هذا الكلام..لكن “بيكو” لم يهتم لكل الوساطات وظل على قناعته بأن ابيدرو رجل قبلي وليس من عسكر الجمهورية..بعدها بأيام وفي نفس الشهر زار نفس الصحافي زميلا له في حي الأغنياء ” ابروفيدانثيا”فوجده وقد بذل جهدا كبيرا لاظهار ان رجال الدرك هم من ضايقوا عائلة المناضل في حركة “استوبيدا” الشاب اينرينكي،فالمهم هو الدفاع عن جنرال الحرس التشيلي ولو على حساب قائد آخر..هكذا يقضي المدونون أيامهم في سوح الافتراضي مع أصدقائهم من الجنرالات،يتصل الجنرال بالصحافي في دردشة جهوية او قبلية او عرقية، فلابد من رابط يتذكرانه وقت المحادثة ويكررانه بين الفينة والأخرى كحبل سري يجمعهما، ثم يتصل الصحافي بالجنرال في أي وقت يشاء، ويتبادلان النكات ويتحدثان للأسف حول أتفه مايمكن ان يتحدث عنه قائد عسكري مع صحافي: الملل الزوجي والمطر وحقد الثوار وضغائنهم..

لقد تأكدت (يقول الصحافي التشيلي) بما لايدع مجالا للشك من وجود خلافات صبيانية تافهة بين قادة التشيلي العسكريين والأمنيين بدون استثناء،فهل الخلافات عميقة لتتطور وتخرج من الافتراضي والتدوين الى الثكنات والحكم، أم أنها نزوات تنتهي كغيرها برعشة وارتماءة ونوم عميق في انتظار ملحمة أخرى سيصبح عليها القائد الهمام.

انني أجزم وعلى مسؤوليتي(يقول) بأنني سمعتهم جميعهم يوجهون بيادقهم، والبيدق يضحك ويصفر وجهه وكأنه صوفي في لحظة من لحظات التجلي أو جندي مصري يحدث الظاهر بيبرس او عز الدين ايبك في عز دولة الممماليك.

لقد بات معروفا في سانتياغو ان المدون الفلاني او الكاتب الفلاني يتبع للجنرال الفلاني وكذا المؤثرة فلانة او المخنث فلان مع عالم الدين والفنانة والحقوقي..فلابد لكل جنرال من عينة من كل العينات حتى يقارع رفاقه ويزعجهم متى أزعجوه..لاينقصهم الا ارتداء البزات والالتحاق بالثكنة..فكم من خبر يتناوله موقع الكتروني عن جنرال فيثبته آخر على جنرال آخر، وكم من فرية حمّلت لجنرال لاعلاقة له بها حتى اذا تتبعها الانسان البسيط وجد كاتبها يتبجح في الملأ على رغوة “التيكيللا” بأنه مَن نحتها من اللاشيئ لأن الجنرال الذي “يقوده” يريدها او المح اليها..لقد بات من الواضح ان الكتاب والمدونين والشعراء والصحافيين في اتشيلي العظيمة يتوزعون بين القادة العسكريين والأمنيين،فالقلم” آر بي جي” والهاتف وسيلة اتصالات لاسلكية والفيس وماسواه جبهات مكشوفة لاقتتال تافه وينم عن عدم عمق كبار السن عندنا..ولو ان أيا منكم فكر مليا وتتبع الكتابات وتابع ماينشر ويقال ويُهتف به وقارن بين الكتابات لشاهد ببصيرته وليس ببصره اشارة لوحة الترقيم العسكرية في مؤخرة كل كاتب،هذا يتبع للجيش وذاك للحرس وهذا للأمن والآخر كاتب دركي مع زمرة مدونين يتبعون للعقداء ومفوضي الشرطة وصغار القادة فحبرهم لم ينضج بعد ليؤكل أو يؤكل به.

لقد انتصر أمير الحرب فلان في موقعة كذا،وهزم أمير الحرب المنافس في معركة الشهر الماضي فيما يقوم الجنرال العبقري باستطلاع لترتيب هجوم بقذائف غير تقليدية مداها بعيد او متوسط،فكل ماينقص هو كلمة السر حتى تخرج الصواريخ لتدك حصون أمير الحرب فلان..لقد أظهر قادتنا من البلاء الحسن مالم يظهره أسلافهم في حروب ومطاردات “الأنديز” اذ عرفوا هذه المرة كيف يجندون الكتاب والمثقفين والسفسطائيين كجنود بلاخوذ أو بزات ومقاتلين بأحمر الشفاه وأحذية من الصندل، وفاتنات اقتحمن السوح بومضة جمال او حركة اغراء..كل هذا للأسف يحدث وحدث وسيحدث مرارا وتكرارا لكن في حرب النجوم فقط، أي تلك الحرب التي تشن على الفضاء الافتراضي، ولهذا لن يعلم بها او يهتم بتجلياتها الا سكان الأزرق،أما المواطنون في دورهم ب “ابروفيدانثيا” الراقية او “لابيانتانا” البائسة فجلهم سيتأثر بمخرجاتها وسيبني عليها للأسف تعامله مع الأشياء وسيؤسس عليها طاعته العمياء او حبه لفرسان العبث اللاتينيين على انهم أبطال وانهم يستحقون كل التقدير تماما كالذين استشهدوا دفاعا عن الحوزة الترابية وعني وعنك وعن آبائنا وأبنائنا..سينفي ابينوشييه هذه المزاعم فالمهم ان لايستيقظ الشعب أو يخرج غريمه “سلفادور آيليندي” لذا سيظهر قادته خلال قادم الأيام حبا زائدا لبعضهم وقد يتبادلون القبلات والورود في الملأ ليوهموا التشيليين بأنهم على قلب رجل واحد هو اوغيستو بينوشييه وبأنهم لايهتمون لمايحاك من مؤامرات على الفيس! الغريب انهم يسمونها مؤامرات ويتجنبون شظاياها ويهتمون لها ويحركون خلالها بيادقهم على الرقعة ويخشون فيها صولة الوزير المجنون ويدكون قلاع الآخرين كأنهم في حرب حقيقية، والأغرب من كل هذا ان هؤلاء “الآخرين” ليسوا سوى رفاقهم في أمن الوطن وابينوشييه ولوتشيا والشعب..الشعب طبعا هو آخر مذكور.