لم أتوقع أبداً أن يستسلم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لواقعه الجديد بسهولة، فالرجل يدرك أن العدالة و الإنصاف و منطق الطبيعة المجرد من الاستثناءات لا يسعفه، فلولا حظ البلاد العاثر، و مصائب القوم التي تكون فوائد عند قوم، لما بلغ بنا شطط الكوابيس و إجحافها أن نتصور رئيساً في مثل جهل و غباء محمد عليون، غير أنها فلتة الزمن الخؤون، و زلة يد الدهر الخرقاء التي تُبلي أكثر مما تجِد.

يبدو أن الرجل الذي لم يصدق أنه نجا من الإحالة للسجن طفق يرتب أوراقه، و يجمع بين ضبّه و نونه، ليكرَّ في استدارة ماكرة على صُبابة الأمن و الاستقرار المتبقية في رَكوة وطنٍ أثخنت فيه عشريته الجراح.

كأنْ لم تكفِه عشر سنوات من كيّ جسد البلاد و شيّه، و نهب خيراته و سلب ثرواته، و هدر طاقاته و مصادرة حرياته و امتهان كرامته، و التلاعب بدستوره، و سرقة حتى الإثمد من عيون خرائده.. فأي وجه فولاذي ما يتقنعه هذا النذل الذي لو تصور اللؤم جسداً لما وجد أنسب له من شخصه.؟!

رجلٌ تسلل إلى حكم البلاد من نافذة “انقلاب”، فكرع في المال العام كحمار وحش في أضاءة، و مكّن أقاربه من خطام دابة الدولة الحرون فروّضوها بجشعهم، ثم شرّد معارضيه، و انتقم من مناوئيه، و سوّد سجله الأسود أصلاً بفضائح تُشيب الولدان: صفقات التراضي، و العمولات، و الأراضي التي أقطعها ذويه، و صناديق أكرا، و بيع السنوسي، و الامتيازات غير المستحقة لأبناء عشيرته.. و غير ذلك من تجاوزات تضيق عنه الدواة و الكاغد.. فهل يعقل أن نقبل عودته من “باب” حزب سياسي.؟!

هيهات، يضربُ في حديد بارد.!

يقوم ولد عبد العزيز بإنشاء خلايا سياسية، أغلبها من النساء، و تحديدا من أبناء عشيرته، و يخطط للعب على التناقضات الاجتماعية لمجتمع متعدد الأعراق و الشرائح، فيضرب أبيضه بأسوده، و كأنه الحمار يقول للبئر “إن شربت من مائك، فلا أبالي إن انقلب أسفلك على أعلاك”.. لقد كرع ولد عبد العزيز في صَرَاة الحوض فاشتّفها، حتى لم يترك فيها لظاميء جرعة.. ثم انقلب يقلب الحقائق، و يدعي إنجاز ما لم ينجز، و يتحدث عن نزاهة في حكمه تكذبها الشواهد و البراهين.. فلو سكت المتستر بالأيام لما رأوه.!

الذكوري الذي احتقر النساء و استهتر بحقوقهن و ضرب الحركة “النسوية” هاهو يستغلهن في مآربه السياسية.. و العنصري الذي كرّس الممارسات الاسترقاقية، و استرخص دماء الشهداء من أخواننا الزنوج، هاهو يحاول إقناع “ناشط حقوقي” ليسمح له بتغطية سوأته السياسية بحزبه المرخص.

و الذئب الذي بقر بطن الشاة، فولغ في دمها، و مص مشاشها و كتِدها، هاهو يتقمص وجه الحَمَل الوديع.؟

أيتها البحيرة العفنة ستظلين قدر المتلطخين بدَرن النذالة و الابتذال، الذين لا تطهرهم مياه المحيطات إن اغتسلوا بها.. و يا أيها الحاثي من الظلماء في عيون النهار، تيدَك، فإنما تحلب ناقتك في إضاءة، و أنت أيها المتشبه بالرجال “لقد حكيت ولكن فاتك الشنب”.