صدقوني، كانت مقابلة ولد عبد العزيز الأخيرة مضحكة، فقد نافست “فوازير رمضان” و كانت أغبى “كذبة” شهدها أبريل، منذ أن كان الناس يصطادون أسماكه في الصحراء.

امتشق الرجل سيفاً من خشب للدفاع عن حكمه و لتأكيد ظلمه، و تقنّع وجهاً من فولاذ ليقول لشعب أذله عشرة أعوام: أنا رئيسكم المثالي، و قدوتكم المُحتذى به… و كأن قدره أن يهيننا بلسانه حين يعجز عنها بيده، فإن قوماً يكون فيهم ولد عبد العزيز “مثالاً” لخِلوٌ من الأخلاق و القيّم و الكرامة.. فمتى ساد الأعور غير العميان.؟!

ليس هنالك من هو أسوأ من “رئيس” وصل لسدة الحكم بالقهر و الغلبة، و خان بطريقة أو بأخرى كل الذين ظاهروه في حياته، و حكم بلاده بالحديد و النار و العار، و أثرى من غصبه كسرة المعترّ و كسوة العريان، و استغني بسرقته غطاء المواطن و وطائه و باختلاسه غذائه و دوائه، و جمع نشبه من بيع الأرض و انتهاك العرض. فتناهب و أهله و أصهاره البلاد كما ينتهب بغاث الطير مزارع الذرة، أو كما تأكل الأرَضَة الكاغد.

يقول ولد عبد العزيز إنه كان رئيسا مثالياً و قدوة يحتذى به، و لعله كان مثالياً في رداءته و ليس في جودته، فلقطاع الطرق معنىً آخر للشرف.. 

كيف يكون رئيسا مثاليا من قاد انقلاباً عسكرياً ضد أول رئيس مدني منتخب للبلاد؟

و كيف يكون مثالياً من سرق، قبل أن يطمئن في تربعه على كرسي السلطة “الهزاز”، 50 مليون دولار أهدتها السعودية للجيش الموريتاني، و قد أودعها سيدي ولد الشيخ عبد الله في حساب خاص بالبنك المركزي، في انتظار برمجتها في ميزانية 2009- 2010..؟

و كيف يكون مثاليا من تورط في تبييض الأموال (و صناديق أكرا مثال لاحصر) و حمى تجار المخدرات، و أدخل البلاد في حرب بالوكالة مات فيها العشرات من أبناء الوطن، و سل ابنه كالشعرة من العجين من جريمة الشروع في قتل فتاة غريرة، و استهدف القبائل و الحركات السياسية، و أفسد علاقاته بالجيران،  و صادر الحريات، و تنصت على هواتف مواطنيه، و سرّب مكالماتهم، و ابتز رجال الأعمال، و أخذ العمولات، و أدخل الناس برصاصة اطويله في غمّة لم تنكشف حقيقتها بعدُ.؟

كيف يكون مثاليا من اشتهر بسوء أخلاقه و نكرانه الجميل و تغوّله على ضعاف شعبه، و لؤمه و نذالته و حقارة أفعاله و فهاهة أقواله.؟

كيف يكون رئيساً مثاليا من غادر السلطة و اقتصاد بلاده يتردّى في مهاوي الفشل، فالجوع يأكل أمعاء المواطنين، و المرض ينخر أجسامهم، و الجهل يعشعش في أدمغتهم، و “الأحمداهيون” يسيطرون على المشهد السياسي، و الزبونية و المحسوبية معايير التعيين و الحظوة لدى البلاط..؟

يتحدى عزيز من يسعف اتهامه له بالفساد بدليل مادي، مراهناً بذلك على جهده الذي بذل في الاحتياط لسرقته و في إتلاف الإدلة و إخفاء أدوات الجريمة، كما فعل مع أنير و سونمكس. فمن أين هذا الثراء الفاحش: المليارات، و المنازل و العقارات، و السيارات الفارهة التي يتبجح أبناؤه بامتطاء صهواتها أمام المواطنين الراجلين، و قد أغلت من لحم اكتافهم.

“ما هذا التنطع في الشهادة.؟!. ما قاءها حتى شربها”.

هذه الثروة الهائلة التي يتحدث عنها كل الموريتانيين، لرجل لم يملك قبل وصوله للسلطة نقيراً، ليست من مال الشعب، و إنما أمطرت بها السماء على آل عبد العزيز ولد اعليَّ المباركين، فامتلأت أرصدة صغارهم بالمليارات دون أن يودعها فيها الكبار.. 

إن من كرامات هذه الأسرة الصالحة أن تحقق هذا الثراء الباذخ، في السنوات العشر التي حكمت فيها البلاد، و رغم أن الحكم مظنة التربح و الإثراء غير الشرعي، فإنها لم تستغل لتحصيله نفوذاً و لا أغلت مالا عاماً، و لا مارست تجارة و لا ورثت ميتاً (اللهم إلا أن يكون هذا المال من تركة ابن الرئيس و أخيه رحمهما الله).!

ألم يكن رئيساً فقيرا لايملك غير “حفارة”، فإذا به يعترف أمام الصحافة بثرائه الفاحش، مؤكداً أن ثراءه سينمو كما تنمو أحقاده و يتعاظم ندمه على مغادرة السلطة، و أنه ليس من مال عام، غير أنه لن يكشف مصادره، فهو إما يمارس تجارة ما فيخشى المنافسة، أو يتربح من غير شرعي فيخشى المحاسبة.. و كلا جانبي هرشى طريق للاختلاس و استغلال النفوذ.

فلعنة الله على رئيس إن حكم نهب و سلب، و إن غادر السلطة جُن و اضطرب، و إن تحدث للصحافة فجر وكذب.!