يقال إن فتاة كان يُنكِر أبوها نسبتها له، كما ابتلاها الله بقَرَع جعل رأسها حليقاً أصلعَ كقدَم رضيع، شاكسها مخنث سليط اللسان يوماً، فعزفت عن مشاجرته قائلة : ”آنَ مانِ مدايگَه“ فأجابها المخنث: الديگه گاع بشروطهَ، بيهلي أصلاً ألّا أنيتوفْ و الخطي اعلَ لبّات“.

تذكرت هذه النكتة و أنا أتابع فيديوهات تتحدث عن الجوع و معاناة المحتاجين في ظل حكم الرئيس محمد ولد الغزواني، تؤكد مصادر متطابقة أنها من إنتاج خلية إعلامية تابعة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي لو أسعفته حكمة أو حصافة رأي لحملته على أن يربأ بنفسه عن ”الديگَ“ فهو ”ما عندُ راصْ ينتتف و لا بُو ينخط عليه“.

أنا صحفي أتمتع باستقلاليتي في ممارسة مهنة قدمت راحتي و رخائي قربانا لآلهة فضولها و تطلعاتها.. لا أدعم ولد الغزواني سياسيا و لا أعارضه.. آليت على نفسي، و قد أدبرت أيام الرئيس السابق الذي كنت قد أخذت منه موقفاً نضالياً بسبب تعسفه في ممارسة الحكم، أن أعود لدور الصحفي الذي لا ينحاز في النقاش العام لغير وطنه، حريصاً على أن لا تأخذه في الحق لومة لائم. لهذا لن أجد غضاضة في أن أنبه إلى أنه لا وجاهة البتة للآراء التي تقارن بين الأوضاع الاجتماعية في ظل النظام الحالي و النظام السابق.

الفيديو الذي نشره أنصار ولد عبد العزيز، لم يرق لمستوى ذر الرماد في العيون، فقد أراد أن يطعن في بدَهيات من المعلوم من شؤون الوطن بالضرورة، فمحاولة إلباس حقائقها الكاشفة ثوب الباطل ضربٌ في حديد بارد.

لقد حكم ولد عبد العزيز موريتانيا أحد عشر عاما، نهب فيها خيراتها و سلب ثرواتها، و أهان فيها الكرامة و صادر الحرية، و أهدر الطاقات، و استبد بالقرار، و تنصت على مكالمات المواطنين و أطلّع على خصوصياتهم، وضرب علاقات البلاد الاستراتيجية و مصالحها الحيوية، و عاش المواطن الموريتاني خلالها من الجوع و شظف الحياة ما لو قُسّم على شعوب الأرض لفتّ منها اللحم و رضّ العظم.. فهل غاب عن ذاكرتنا وجه نظام ولد عبد العزيز الدميم الذي كشف عنه الفيديو الذي ضجّت به مواقع التواصل العربية و العالمية لشيخ ترتجف يداه جوعاً، و هو يشرب من علبة لبن أعطاه إياها شباب أسعفوه و هو في الرمق الأخير، بعد أن عصب بطنه ليومين لم يذق فيها طعاماً.

يمكنكم أن تنتقدوا ما شئتم نظام ولد الغزواني، و لن تعدموا وجاهة في انتقادكم، لكنكم ستكونون مكابرين إن تنكرتم لما يوليه من عناية للجانب الاجتماعي، كشف عنه في خطابه عن جائحة كورونا، و أتبع فيه القولَ الفعل.

أحد عشر عاماً من حكم رئيس غادر السلطة قبل أقلّ من عامين لا يمكن إلا أن يتم تحميله مسؤولية أوضاع المواطنين فيها، فإنما هو حصاد أيامه و جَنى سنينه، فلا يمكن إلا لأصحاب المعجزات – و لا أعتقد أن ولد الغزواني منهم ـ أن يصلحوا في أقل من عامين ما أثأته يد في أحد عشر عاماً.

حين يقرّر أنصار ولد عبد العزيز أن يراشقوا بالحجارة فقد نسوا أن بيوتهم من زجاج، و حين يجنحون للعب بالنار فقد غفلوا أن أصابعهم من شمع، و مهما أرادا أن يخرسوا الماضي فسيفاجئهم التاريخ بثرثرته الأبدية… ففي النهاية لا يمكن للص أن يتقمص وجه قديس، و لا للبغيّ أن تصادر شرف الحَصان.. و لكن نظر الغبيّ يقصر حتى عن مواقع خطوه.

فعلاً، رمتني بدائها و انسلت..!