“الأفكار مشلولة .. العقول مخدرة .. الأوفياء يعيشون الوحدة .. الشباب يائس ومنحرف .. كسروا الأقلام .. كمموا الأفواه .. هذه سمات هذا العصر.” – علي شريعتي.

المتأمل لمسار الأحكام العسكرية على سدة الحكم في البلاد يجد أن قواسم مشتركة كثيرة كانت مرجعا أساسيا ومحددا ثابتا لآليات ونمط الحكم القائم منذ العاشر من يوليو 1978 وحتى يومنا هذا.

وتفاديا للدخول في التفاصيل التاريخية المملة والمتكررة والمتشابكة فإنني سأقتصر على النظام الحالي كنموذج للتخبط والارتجالية والعشوائية في الادارة والتسيير ، وبصورة أدق سأركز على تعاطيه مع قضية واحدة من القضايا الشاغلة للرأي العام الوطني في الآونة الأخيرة، في محاولة لفهم الطريقة “السرية” والغامضة التي يحكم بها الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني.

ولكي لا ندخل في جدليات شائكة ومثار خلاف وجدل من قبيل الشرعية والمشروعية، الانقلاب والانتخاب، أو حتى في جدل الامتداد والمرجعية والقطيعة، سأتغاضى كليا عن ذلك لأدخل في الموضوع عبر تساؤلات مباشرة ومشروعة، وذلك على النحو الآتي :

***

ألم يكن غزواني وزيرا للدفاع حتى عهد قريب؟

ألم يكن القائد العام لأركان الجيوش طيلة العشرية الفارطة؟

ألم يتشدق في حملته الانتخابية بخلفيته الأمنية وخبراته العسكرية وقدراته الفائقة على “العبور” و”الاقلاع” وإيجاد الحلول السحرية للمشكلات الوطنية العويصة .. أم أن أمن المواطنين لا يدخل في اهتمامات وأوليات وتعهدات فخامة “الزعيم”؟

***

منذ وصول الرئيس غزواني للسلطة تصاعدت وتيرة العمليات الاجرامية بشكل مرعب ومخيف، وتطورت وسائل الاجرام واتسمت بطابع أكثر وحشية وبشاعة،

ضحايا القتل تخطفهم الموت بصور تراجيدية، قتلا بالذخيرة الحية وطعنا بسكين وحرقا وتمثيلا وشنقا .. ضحايا الاغتصاب تتحدث جمعيات حقوقية عن أرقام مخيفة في هذا الصدد الاختفاء القسري، عمليات النشل والسرقة المنظمة، عصابات مسلحة تقتحم البيوت نهارا وتنفذ غاراتها على المحلات التجارية الواقعة في شوارع رئيسية من العاصمة نواكشوط  موجة من الرعب وعدم الطمأنينة بحيث ساد شعور مقلق بانعدام الأمن، ما دفع بعض المواطنين لاقتناء السلاح بغية الدفاع عن النفس إن دعت الضرورة لذلك، وهو شعور يترجم حدة الاحباط التي وصل لها المواطن، والذي بات على يقين من عجز حكومته عن توفير الأمن والسكينة العمومية.

وأمام هذه الصورة القاتمة للحالة الأمنية سقطت كل الشعارات واحترقت عناوين ويافطات كبيرة، وكانت السلطة العسكرية الحاكمة تركز اهتمامها بعد كل جريمة على امتصاص الغضب واحتواء الموقف بطرق تبريرية واهية ولا أخلاقية، لم ترع إلاً ولا ذمة لمشاعر ذوي الضحايا.

وفي كل مرة كان المسؤول الحكومي يقول إن الجناة كانوا في حالة سكر ومن أصحاب السوابق..، وهي تصريحات يُستشف منها دفاع الحكومة عن مرتكبي الجريمة
والحكومة في هذا الصدد عملت على استغلال الوضع الأمني بفرض حالة طوارئ غير معلنة، هدفها اعتقال أي صوت ينتقد السلطة، ويحظر جميع التظاهرات والاحتجاجات المعارضة ..

ولعل التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية محمد سالم ول مرزوك أمام البرلمان كانت خير دليل على وقاحة هذا النظام واحتقاره للمؤسسات والحقوق الدستورية واستهتاره بحياة الناس وفشله في تحقيق الأمن.

وهي أمور تؤكد في مجملها أن هذه الأنظمة لا تعرف القطيعة مع سلفها الطالح، بل كل نظام يحكم هو امتداد لامتداد لامتداد، بنفس الوجوه والآليات والممارسات، في ظل غياب تام للرؤية وانعدام للارادة وفشل في الحكامة.