مما لا مراء فيه أن خطابات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، قد حافظت على تبشير من يسمعها بالخير وبعث الأمل فى نفوس المواطنين بغد أفضل وبعيش كريم فى وطنهم آمنين مطمئنين.

وقد ظلت هذه هي السمة الطاغية علي هذه الخطابات منذ بدايتها، فى خطاب الترشح وما تلاه من خطابات أثناء الحملة الرئاسية وفى كافة المناسبات الرسمية بعد التنصيب وكان آخرها خطاب عيد الاستقلال الماضي وقبله خطاب وادارن، حيث أبان ولد الغزواني فى كل خطاب يلقيه، عن ادراك كامل لما يجري فى البلاد وبما يشغل المواطنين، وما يبعث الأمل فى نفوسهم.

إلا أن أفعال الحكومة، مع الأسف، ظلت عاجزة عن تجسيد ذلك الأمل على واقع المواطنين المعيش، مما خيب آمالهم وجعلهم يقتنعون بأن خطابات رئيس الجمهورية، إذا كانت تبعث الأمل، فهي فى واد لا يلتقي أبدا بواد أفعال الحكومة، التي تخيب الآمال وتجوع الناس وتضاعف عليهم مشاكل الحياة، مما أدى إلى عدم الوفاء بتعهدات رئيس الجمورية فى برنامجه الانتخابي وما تلاه من تعهدات، رصدت لها التمويلات وكانت كفيلة، فى حال تنفيذها، بتعزيز الوحدة الوطنية وخلق مئات آلاف فرص التشغيل وتحسين الظروف المعاشية للسكان وبسط الأمن ونشر العدالة وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية.

ولقد كانت الفرص متاحة للحكومة لتجسيد هذه البرامج على أرض الواقع فى بداية مأمورية ولد الغزواني ومن هذه الفرص، وجود قاعدة شعبية عريضة موالية للنظام، الذي تزكيه غالبية القوى السياسية فى البلد، أملا منها فى قطيعته الكاملة مع عشرية الجمر، التي تغولت خلالها سلطة الفرد وغيب مفهوم الدولة، وخنقت المعارضة، وساد الارتجال والفساد والنفاق.

ومن الفرص كذلك اعتراف أعضاء الحكومة بأن رئيس الجمهورية أعطاهم كافة الصلاحيات والوسائل لتسيير قطاعاتهم واختيار معاونيهم.
ومن المؤسف جدا عدم استغلال هذه الفرص وتحقيق الآمال المعلقة عليها، حيث انتصفت المأمورية ولم يتحقق شيء من ذلك بسبب عجز الحكومة الناجم عن غياب الكفاءات فى الأجهزة الإدارية، خاصة بعد تقاعد العديد من أصحاب الخبرات والتجربة والتعيينات علي أساس النفاق والمحسوبية والجهوية والقبلية والأسرية، بدل تطبيق مبدأ “الرجل المناسب فى المكان المناسب”.
ونجم عن هذا العجز وجود إجماع اليوم فى موريتانيا، على أن سوء الأوضاع تجاوز المعقول والمقبول، حيث الوحدة الوطنية فى خطر والظروف المعاشية للمواطنين، يرثى لها وارتفاع الأسعار يتصاعد يوميا والحكومة لا تحرك ساكنا، كأن الأمر لا يعني مواطنيها والخدمات الصحية والتعليمية فى ترد غير مسبوق والعديد من سكان نواكشوط والمدن والقرى والأرياف داخل البلاد يعاني من العطش وشح فى الكهرباء والبطالة متفشية والمخدرات منتشرة والعدالة غائبة ومشاريع التنمية متعثرة باعتراف رئيس الجمهورية، والطرق متهالكة والأشغال التي انطلقت في بعضها متعثرة وكمثال، طريق بتلميت الاك، التي هي جزء كبير من طريق الأمل الرابط بين شرق البلاد وغربها وجنوبها وشمالها ويربط بلادنا بعدد من دول افريقيا. أما عن فساد تآزر وبيروقراطيتها وتعثر برامجها ، فحدث ولا حرج.
والسؤال الذي يطرحه الجميع: “لماذا أفعال حكومة ولد الغزواني مناقضة لأقواله؟”.

والجواب على هذا السؤال، بإجماع من هم خارج دائرة الدولة العميقة: هو بأن العلة فى كون ولد الغزواني، منذ انتخابه لم يعمل على خلق طبقة سياسية وإدارية مخلصة له مطيعة لأوامره، مقتنعة بتعهداته، بل اعتمد فى تطبيق برامجه، على رجالات الدولة العميقة والمفسدين فى الأنظمة السابقة، خاصة رموز عشرية الفساد وذلك رغم تأكيده فى جميع خطاباته على محاربة الفساد وكان آخرها خطابه بمناسبة ذكرى الاستقلال قبل شهرين.

إلا أن هذه المحاربة لم تتجسد يوما على أرض الواقع، حيث ظلت التعيينات، سواء بالمراسيم أو بالقرارات أوفى مجلس الوزراء، وفى السر والعلن، تقتصر علي تدوير الفاسدين المفسدين، إلا من رحم ربي وهو القليل، وتفاقمت صفقات التراضي وغض الطرف عنها وعن التدقيق فيها ومحاسبة اصحابها وقطعا لا يبشر بخير، قانون الغاء الرقابة القبلية على الصفقات الذي صادق عليه مؤخرا نواب الحزب الحاكم.

وإذا كان النصف الأول من مأمورية ولد الغزواني، قد تميز باحترامه هو شخصيا للمال العام، بشهادات الجميع، خلافا لسلفه وبعدم سَجن المواطنين بدون مبررات والخطابات الشعبوية وتجنب استهداف القوى السياسية المعارضة ، فإنه فى المقابل شهد تغول المفسدين فى جميع مفاصل الدولة واستمرارهم في إدارة أجهزتها وترك أهل الكفاءة والنزاهة مهملين على الهوامش وكانت نتائج ذلك ما نعيشه اليوم.

وهذه الأوضاع، تفرض من ولد الغزواني وهو فى بداية النصف الأخير من مأموريته، أن يدرك جيدا ـ وقطعا هو يدرك ذلك بثقافته ووطنيته وبتجربته ـ بأن لا تصور لتنمية ولا أمن ولا إصلاح ولا عدل، بدون محاربة فعلية للفساد ولذاك فهو مطالب باتخاذ اجراءات عاجلة فى مقدمتها تشكيل حكومة كفاءات صفحات أعضائها بيضاء وتفعيل أجهزة الرقابة ومباشرة واجباتها فى التفتيش والتدقيق والرقابة وتطبيق نتائج قراراتها فورا وبدون محاباة وتطبيق مبدأ “لا أحد فوق القانون” ويجب فى هذا الإطار تطبيق مبدأ “الرجل المناسب فى المكان المناسب” ومبدأ “المكافأة والعقوبة”، كحافز ورادع للجميع.

وعليه كذلك أن يعتمد فى جميع أركان نظامه على الأطر النزهاء المخلصين الصالحين وهم كثر ويبعد عنه الفاسدين المفسدين.

ومن الاجراءات التي يجب اتخاذها بسرعة، انتهاج سياسة تموين السوق بالمواد الأساسية بأسعار فى متناول الجميع، تتولى الدولة استرادها بكميات تضمن تموين السوق مدة سنة على الأقل وتتحمل جزئا كبيرا من تكلفتها.

كما علي رئيس الجمهورية أن يعمل سريعا وبإشراف منه، على تنظيم الحوار أو التشاورـ لاعبرة بالتسمية ـ مع كافة مكونات القوى السياسية، الذي وعد به ويحاول البعض عرقلته.
وبهذه الاجراءات وحدها، نجنب بلادنا مشاكل تصعب السيطرة عليها إذا حدثت، لا قدر الله، نشدها اليوم فى دول مجاورة وقد بدأت معالمها فى التحركات التي شهدتها بعض المدن مؤخرا.

ألا هل بلّغت…اللهم فاشهد!