إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. صدق الله العظيم.

يكاد الانجراف إلى الأيدولوجيا في احايين كثيرة يعمي بعض المتعلمين والباحثين مما يحيدهم عن التحليل السليم والمنطقي.
ومع إكراهات التغيرات السياسية على الكوكب وسيطرة العولمة على أنماط التفكير والتحليل سواء على المستوى العالمي او العربي والإسلامي بعيد انقضاء’’ الربيع’’ تكاد تنقسم كل وجهات النظر إلى فسطاطين أولهما يتمثل في نخبة، تمارس الرفاه الفكري، تبني تحالفا مع أنظمة مستبدة تحتاج إلى ما يضفي عليها شيئا من الشرعية هي في أمس الحاجة إليها وثانيهما يستغل عطش الناس إلى ما يفتقدون من ديموقراطية وعدل وتقدم وضيق آفاقهم وعدم تمكنهم من التمييز والنقد لكثير من الأيديولوجيات في الوقت الذي هم فيه غير قادرين على استيعاب القضايا بكلياتها وابعادها الحقيقة.
وبما أنه لا فصل بين الدين والسياسة سواء في العالم الديموقراطي، وإن كان ذلك على استحياء، أو في الشرق بالعالم العربي والكيان الصهيوني’’ دولة إسرائيل’’ بشكل أكثر بروزا. وفي خضم هذه التجاذبات تزداد الهوة بين الفسطاطين حيث يفضل الأول(النخبوي) البحث عن حلول وسط مستدعيا نظريات موغلة في المثالية تبدأ من فطرة الانسان ولا تنتهي عند مصالحة نظرية مكارم الاخلاق في الإسلام مع نظريات كانط وهيغل ونيتشه. ورغم أن هؤلاء يرون أن ما يوحد البشر وخصوصا اتباع الديانات السماوية منهم والذين يتفقون على الوصايا العشر ويختلفون على أحقية كل منهم ب إِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ، إلا أن دمج هؤلاء في عائلة واحدة ‹‹الابراهيمية›› لا يمكن أن يستقيم إلا في الهندسات التي تسطح المستقيمات من شدة ما بها من التجريد على رأي ريمان Bernhard Riemann، أو إيغالا في الخنوع والخضوع على رأي ميشيل ويلبيك Michel Houellebecq.
وبالرغم أن الفسطاط الشعبوي والذي أدخل مفهوم الثورة وتكسير الأغلال عنوة إلى مجموعة المفاهيم الرئيسية في الدين الإسلامي ويرغبون لو يدمجوا فيه الانتخابات والديموقراطية والدولة المدنية، كون الاخوان المسلمين هم عرابو ثورات الربيع العربي ويخولهم خطابهم ذو الصدى العريض في أوساط الشعب كسب الصندوق، إلا أنه لا يمكنهم أن ينزعوا من أبينا أبراهيم الملة التي هم فيها إخوان والتي نسبها إليه القرآن.
وكخلاصة فإن كلا الفسطاطين لا يعدم شيئا من الوجاهة في الرأي والكثير من المآخذ والانكسار في الحجة.
فلو سلمنا للنخبة المتصالحين والساكتين على دماء إخوانهم أن البقاء للأصلح وأن التحولات التاريخية كفيلة بالوصول إلى مآلات ترضي جميع البشر وتفضي الى القيم المطلقة في مدينة افلاطون الفاضلة، فهل يرضون أن يسلك عدوهم سلوك السادة ويسلكون هم سلوك العبيد على رأي الشيخ افريدريش نيتشه؟
أما بالنسبة لمتبني الخطاب العاطفي القريب إلى قلوب الناس والذي لا يأخذ بجميع المعطيات في الاعتبار ولا المتغيرات ولا ينظر بعين العقل إلى المآلات فإنه لابد من الإشارة إلى أنه من المستحيل أن تتحرك الثوابت وكذلك أن تثبت المتحركات فالدين والعقائد ثوابت وأمور حياة الناس تتغير حسب الظروف والحقب.
ولا غالب إلا الله