السادة القادة تنعقد قمتكم في أجواء النكبة الفلسطيين تاريخيا وحاليا إنها مأساة عمرها 75 سنة ومازالت تتوسع ،وأيضا بعد 12سنة من الأحداث الدرامية العربية “القاتل يقول الله أكبر والمقتول يقول الله أكبر ” حسب تصريح المستشارة الألمانية “انكيلى مريكل ” تعليقا على الربيع العربي ..والذي اتضح أنه – لم يكن عكسا لما تم الترويج له -من صنع الشعوب العربية و لم يكن أيضا وهذه أكثر توكيدا سوى حريقا جاء على الأخضر واليابس وتمخض عن خمس دولة عربية كبيرة فاشلة وملايين المشردين والمنكوبين والمعطوبين والمعوقين ومئات مليارات الدولارات ذهبت من الخزائن العربية لتدمير ونهب الأشقاء …وأصبحت الشعوب والدول العربية وقد توقفت فيها عجلة التقدم لعقود مقبلة مقارنة بجاراتها ومنطقتها، منطقة للصراع الدولي ولتجارب السلاح والقوة الأجنبية . لقد ظهر أن الذي خسر هو الشعوب والدول العربية خسرت مراكزها قوتها تماسكها ومستقبلها، وخسرت قضيتها المركزية التي هي القضية الفلسطينية .

اتضح أن الرابح هو المُخطِّط الذي باع سلاحه ووضع يده على كل المقدرات وكل الأسرار وحصل على جميع عقود إعادة الإعمار وعقود الأمن والسلاح وفرص التحكم في الآقتصاد وتوجيه رأس المال ومقدرات شعبنا وخيراته الطبيعية …

ظهر أننا صرنا أضعف وأكثر تشرذما وهوانا في خريطة الأحداث والتحولات العالمية من دون أي مؤهلات لاستغلال الفرص فيها وبعيدين عن قمرة القيادة .

غدا تجتمعون في هذا الجو في جدة باسم قمة جامعة الدول العربية “أضعف تنظيم دولي على الإطلاق مع أنها أقدم منظمة في العالم اليوم” ، وينضوي تحتها أكبر خريطة للخيرات الطبيعية، وتمثل بذات الوقت الفضيحة الأولى في العالم من حيث ضعف القرارات وانعدام الوزن الدولي وانعدام الفاعلية في تسوية المشاكل الداخلية، إنه بناء مهترئ مختَرق ليس له من العروبة سوى الإسم، لا علاقة له بالتاريخ ولا دور له في دعم الثقافة ولا الفكر ولا اللغة، إنه بناء خارج التاريخ، ومع ذلك يحافظ على موت سريري طويل . إننا كشعوب وكقادة رأي نشقى من هذا الوضع القاسي انتماء ونفسيا وأخلاقيًا ونتطلع لولادة تاريخية جديدة مع بداية الدورة الجديدة للتاريخ وبأن يتحلى قادتنا بالشجاعة خلال القمة من أجل مراجعة الوضعية المزرية التي نمر بها وحجم التدمير الذي خلفته على واقعنا، والتفكير عقب ذلك في واقع عربي أكثر تصالحا مع الذات . إننا بحاجة لنهدة في هذا الخراب تخاطب العقول والقلوب والمروءات، إننا بحاجة لانبعاث جديد لإطلالة مشرقة لتجلي مضيء للعالم في صورة لائقة بحجم عددنا ثروتنا تاريخنا جغرافيتنا خيراتنا، بحاجة لإعادة تأهيل وتحيين بنائنا السياسي “جامعة الدول العربية ” التي تحمل اسمنا تراثنا تاريخنا مستقبلنا، التي تتجلى من خلالها قوتنا قدراتنا الذاتية مشروعنا الحضاري للعالم دورنا في الأحداث تعبيرنا عن رؤيتنا ومواقفنا، إنها ليست يافطة ومقر إنها شيء حي يحمل أفكارنا وطموحنا وتوقيع قادتنا وزبدة تفكير نخبتنا وديبلوماسيتنا، إننا بحاجة لأن نفهم هذا حق الفهم ونغسل عنا العار. اليوم بالذات يجب أن نمحو “فضيحة الأحياء هذه” أن نعيد التأسيس أو نعلن حل جامعة الدول العربية فليست المرة الأولى التي يتم فيها حل بناء سياسي ضخم لم يعد في الخدمة مثل هذا ، فقد تم التخلي عن عصبة الأمم لأنها لم تعد تعكس حجم ولا وظيفية التنظيم الدولي حينها،كما أنكم لستم أقل ولا أضعف من أخذ قرار تاريخي لمصلحة التاريخ .

غدا ستحضر سوريا التي شطب عليها الإخوة من هذا البناء الضعيف من الجامعة العربية والتي تحالف الكل ضدها من أجل تدميرها باسم شعارات زائفة … لكنها تأتي شامخة وبروح “عفا الله عما سلف” وبعنوان “لا تثريب عليكم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” إنها الروح التي يجب أن تشكل الخلفية العامة لهذه القمة لكي نتمكن من تقييم الماضي والأخطاء بمهنية عالية وأن تطلع للمستقبل بشجاعة وإخلاص . اليوم تستضيف العربية السعودية هذه القمة وهي تخطو خطى وئيدة نحو العزة، نحو تغيير المقاربة العامة في سياستها الداخلية والخارجية نحو السلم العام نحو الانكباب للبناء :بناء الدولة والإنسان في سياق تثمين مداخيلها وثرواتها وتحويلها لقوة عالمية في عالم يشهد تغيرات عميقة ومن خلال الانفتاح على العالم .انتهى عصر الانغلاق على الغرب والانهماك والتماهي في خياراته ومخططاته إنها اليوم تمد اليد للصين ولروسيا وإيران ولكل العالم فبالأحرى الأشقاء، إنها اللحظة المناسبة للعب دور القيادة في التخطيط لمستقبل عربي مختلف مثلما يناقش الاوروبيون مستقبلهم ومثلما تتجمع الأقطاب وتتحد وتجدد ذاتها مع تطور العالم والأحداث . نحن اليوم بحاجة لتعميق هذه الرؤية لدعمها لتعميمها .نحن اليوم بحاجة لقيادة ومقاربة اقتصادية لنمو وتطور في جو السلم ،الدخول في المنافسة حول العلم والتكنولوجيا فلم نعد بحاجة لقيادة عسكرية أو رؤية العالم ومحيطنا من خلال التوازن العسكري فقط ومن خلال الحرب المخابراتية نحن بحاجة لأن نكون واقعيين ولنعود لدراسة القضايا الجوهرية مثل كل العالم والاستفادة من تطور وتبادل الخبرات . فلم يعد مقبولا أن نكون أمة متكاملة عناصر القوة ونكون على هذه الدرجة من التخلف والتبعية والهوان ،ليس من المعقول . يجب أن يكون وزننا القائم على موقعنا الاستراتيجي العالمي وعلى وزننا المادي وتنوع ثرواتنا قوة عالمية ضاغطة ومؤثرة ورادعة .إننا بهذا المستوى من القوة الكامنة نحن من أضعف دول وتكتلات العالم ، واتحادنا من أصغر اتحادات العالم وأقلها نفوذا . إننا نتضاءل كل يوم ونصغر في أعين الناس ونحن ننظر إلى شعبنا الأعزل يقتّل يوميا وينكّل به بأبشع الطرق والوسائل دون أن يرتكب أي جُرم ولا خطيئة سوى أنه على أرضه وينظر إلينا العالم في حالة الذل والهوان هذه .لم يعد مقبولا السكوت على وضعنا المزري وقد تحررت جميع دول العالم وصارت كل ثقافة وكل شعب يكشف عن طموحه ويطور قدراته ولغته ويسعى لأن يشارك في صناعة التاريخ .

إننا نوجه رسالة إلى قادتنا بأن يستفيدوا من الأحداث الجارية في العالم ويغتنموا فرصة حجز الموقع المناسب في خريطة العالم التي تتشكل من جديد، لقد انتهى عصر احتكار القوة والقرار العالمي وهكذا علينا أن نطمح مثل شعوب العالم لتغيير حالتنا لوضع رهانات جديدة لأمتنا ولوقف مسلسل الاعتداء على شعبنا .لقد آن الأوان للرحيل عن دار الذل هذه إلى دار العز.

وفقكم الله لقيادة سديدة ولقرارات وطنية رشيدة

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار

مواطن عربي من قطر موريتانيا