قذفتها الحياة إلى حضن أب كبير في السن، و لكنه كبير القلب، كريم بمشاعره و عواطفه، أغدق عليها من حنانه و رحمته.. فكانت طفولتها جميلة: دلع و دلال و حضن دافيء و كَنَف والدين يمنحانها الحب و الطمأنينة.

هكذا وجدت الفنانة كرمي بنت سيداتي ولد آبه نفسها تسير في دروب الحياة و هي تتوكأ على عصى دعمهما القوي. “تقدم والدي في السن لم أجده عائقاً لمسيرتي الفنية، فقد ربّاني فأحسن تربتي و صقل موهبتي و شذّبها.. أكتشف مَلَكتي و أنا في ربيعي الثاني فنمّاها و شحذها، وعلمني أصول الفن الموريتاني التقليدي”، بذلك تتحدث كرمي عن بدايتها الفنية.. ثم لا تنكر التجاذب الذي كانت تعيشه ما بين موانع و مقتضيات، فقد كانت أمها تنحدر من خارج الوسط الفني، فكان أخوالها من أسر محافظة، عارضوا بالغَ المعارضة أن تلج كرمي المجال الفني، فتعرضت للمضايقة و مورست عليها ضغوط، غير أن حبها للجارف للفن جعلها تركب دماغا ناشفاً على أن تكون “فنانة”.. فانتصرت على المثبطات..!

تتذكر كرمي المرة الأولى التي غنت فيها أمام الجمهور، وهي لا تزال في المرحلة الإعدادية، كان تغني وهي تسرّ لنفسها “أنا مستقبل فنانة موريتانيا الأولى”.. تضحك و هي تقول بصوت مسموع هذه المرة “لقد صدق حدسي الطفولي البريء”.

أما عن اللحظة التي تلمظت فيها طعم النجاح فلا تزال منقوشة في وجدانها على حجر.. تقول: “كان ذلك في عام 2010 بعد انتهاء حلقة من برنامج “أزوان” كنت ضيفتها، فما أن خرجت إلى الشارع حتى هالتني طوابير السيارات و جموع المعجبين الذين كانوا في انتظاري.. يهتفون باسمي، ويطلبون التقاط صور معي.. تذوقت حينها طعم النجاح” تقول كرمي. لا تنسى كرمي جميل أختها ديمي (رحمها الله).. لا تنسى نصائحها لها و كرمها معها.. ثم تغالب دمعة تتحدر وهي تقول “لقد كانت مثلي الأعلى و قدوتي في الفن و الحياة”.. و لا تزال كذلك تتذكر أنها كانت تغني بحضرتها فتسدي لها الإرشاد و التوجيهات.. و لا تزال تتذكر ألسنة الوشاية و النميمة التي حاولت أن تعكر صفو علاقتهما فلم تفلح.. تماماً كما لا تخفي استياءها ممن يسعون لبث الشقاق بينها وبين من تصفها بـ”ابنة أختى و صديقي فيروز بنت سيمالي”، التي تحدثت الشائعات عن خلافات بينهما.

قطعت كرمي دراستها وهي في المرحلة الإعدادية من تعليمها.. تضحك وهي تتذكر أنها “كانت تلميذة كسولاً، تبكي كل صباح عندما يوقظها ذووها للذهاب إلي المدرسة”.. كانت تجهد أمها على أرغامها، فيقول لها سيداتي “اتركوها.. هي ابنتي.. و لا أريد لها تعليما”..

و بنبرة حزن تقول كرمي “لقد ندمت لأنني لم أواصل دراستي، غير أنني عوّضت ذلك بالقراءة و المطالعة التي أعشقها، وبدراسة اللغات”.. تقطع الفنانة كرمي على رضاها عن مسيرتها الفنية، معتقدة أنها حققت نجاحا و انتشارا في فترة وجيزة داخل موريتانيا و في بعض الدول المجاورة لها..

شاركت في مهرجانات داخل و خارج البلاد، و مثّلت بلادها أحسن تمثيل رغم أن الطموح كان يحدوها للانتشار في كل العالم العربي.. “لم أمارس الفن لأنه يدّر مالا على ممارسيه، و إنما لأنه أحبه و أملك موهبته، و لا أرى نفسي سوى فنانة”. تقول كرمي

تزوجت كرمي من ابن عمها الفنان “سيداتي”.. ولكن الزواج لم يدم غير أسبوع واحد فقد كان زواجاً أسريا مرتّباً، غير أن كرمي تؤكد “احترامها لزوجها الأسبق سيداتي و إعجابها بحنجرته الذهبية، و تتمنى له التوفيق”.. ثم أن “النصيب” رمى بها للارتباط بالفنان اعل سالم ولد اعليّ، زوجها السابق و أبو أبنائها (سيدي و ديمي).. “شكلّنا ثنائيا فنيا موهوباً، فقد كان يلحن لي و يوجهني و يكتب لي الأغاني.. و كان ممن لهم الفضل في دعمي بدايَة مشواري الفني”..

انفصلت كرمي عن اعل سالم، و تزوجت من خارج الوسط الفني فلم تعتزل الغناء و لم يتأثر نشاطها الفني، غير أنها تزوجت بعده من “كريم”، زواجا آخر من غير وسطها فكانت “نقطة تحول في حياتها” تقول كرمي “اعتزلتُ الفن إرضاءً له، فهو يستحق أكثر من الاعتزال”. 

و ببالغ الامتنان و الإعجاب تتذكر كرمي تعاملها مع الملحن و الموسيقار الموريتاني الكبير عرفات ولد الميداح، تقول “لقد لحّن لي عرفات أجمل الأغاني التي عنيتها”.. ثم تبدي أعجابها حدَ التدله بصوت أختها ديمي و المطرب اليمني أبوبكر سالم و الفنانة الكندية سلين ديون.

لا ترى كرمي أنها أسيرة النمط الفني الذي اشتهرت به أختها ديمي، رغم أنهما من نفس المدرسة الفنية، فقد علّمهما معلم واحد: أبوهما سيداتي. غير أنها، حسب قولها، أضافت جديدا للأغنية الموريتانية التقليدية، و لم تعش أسيرة جلباب الفن الموريتاني التقليدي. إنها كرمي التي ولدّت لتكون طنبورا، ينفي بأنه “يحاكي بنغمته البديعة عندليبا، هو أختها ديمي.

أمينة محمد فال