“أنقذتني مهنة إصلاح السفن من الحاجة إلى الآخرين أو الإرتماء في حضن الجريمة” بهذه الكلمات التي لا تخلو من امتنان لمهنة إصلاح السفن يستهل يعقوب شيخنا حديثه معنا عن تجربته في مصادقة الشواطئ وامتهان مهنة إصلاح السفن أو “البلاستيك” كما يطلق عليها الصيادة بميناء الصيد التقليدي في نواذيبو.

 

بدأت تجربة يعقوب مع مهنة إصلاح السفن في سن مبكرة حين قرر ترك الدراسة والإنهماك في تحصيل لغمة العيش، وهو الإبن الأكبر لأسرة ميسورة الحال من سبعة أفراد، بثلاث أخوة وثلاث أخوات، يقول يعقوب: “لقد بدأت رحلتي في هذه المهنة منذ 2004 وكنت حينها مراهقا تسرب لتوه من التعليم الإعدادي نتيجة لإكراهات كثيرة كان لها أن تلعب دورا كبيرا في تركي لمقاعدي الدرس وخوض قمار الكدح بميناء الصيد التقليدي”.

ولأنه للبدايات سبلها التي لا تخلو من وعورة فقد كان على يعقوب أن يبدأ في هذه المهنة كمتدرب مع أحد ملاك ورش إصلاح السفن بميناء الصيد التقليدي، هناك حيث أخذ الأساسيات الأولى في التعامل مع مادة البلاستيك والمواد المصلبة لها.

 

 

يقول يعقوب: “لقد كان علي أن أتعلم أولا المخاطر التي تحف هذه المهنة وكيفية التعامل معها، من خطر المواد المستعملة في إصلاح السفن خاصة مادة (الرزين)، والمخاطر الأخرى التي تحف القفز من سفينة إلى أخرى، فالشاطئ في النهاية لا يقل خطرا عن خوض غمار عرضة البحر” 

إضافة إلى هذه المخاطر الموضوعية التي تحف مهنة إصلاح السفن، كانت هنالك عقبات لا تقل أهمية عنها، تمثلت في إحتكارية التجار بالميناء للمواد المستخدمة في إصلاح السفن والرفع من سعرها بين الفينة والأخرى دون أي سبب مبرر حسب ما يعتقد يعقوب.

 

 

ورغم ما تدره هذه المهنة من دخل مريح -حسب يعقوب- يلبي الحاجيات الأساسية التي لا غنى عنها، إلا أن العاملين فيها يتعرضون لمضايقات كثيرة من إدارة الميناء، يقول يعقوب: ” كثيرا ما نتعرض للمضايقات من طرف إدارة الميناء حيث تفرض علينا عدم العمل في السفن الراسية بمحاذات الشاطئ، رغم أن تحريك هذه السفن ليس من وظائفنا، إنما هو وظيفة مالك السفينة، كما أننا نعاني غياب نقابة أو إتحاد ناطق باسمنا، يدافع عن حقوقنا ويعرض مطالبنا على الجهات المعنية” 

 

 

 

وإذا كان المثل السائد لدى الصيادة التقليديين هنا هو أنه “لا رجال إلا رجال البحر” فإن يعقوب يتحدث بنوع من الطرافة عن تجربة قصيرة له مع ممارسة مهنة الصيد التقليدي توصل بعدها إلى أنه من الأفضل أن تقتصر علاقته بالسفن على الشاطئ من خلال تجربة محاولة إصلاح أعطابها فالبحر بالنسبة له “ليس هوايته ولا ينتمي إلى خارج نطاق شاطئ الصيادة التقليديين”.

 

 

لا يخفي يعقوب شغفه بمهنته رغم الإكراهات التي تحفها، بل يزيد على ذلك من خلال دعوة صريحة للشباب إلى الإقبال على المهن المحلية وخاصة مهنة إصلاح السفن، فبحسب يعقوب ” كل عمل في النهاية يبقى أفضل من البطالة، ومن العيب على الرجال التكاسل أو الإستكانة لشبح البطالة والطمع فيما عند الآخرين” 

 

 

تتشابه يوميات يعقوب كثيرا مع أي عامل بميناء الصيد التقليدي رغم تباين المهن، ومع ما تتميز به ملامح قصته من تجاعيد كدح وخشونة غزت يديه في سن مبكرة بحكم الحاجة وظروف العيش الصعبة، إلا أن قصته تمثل تجربة محفزة لإنسان الهامش المؤمن بقدراته وطاقاته رغم إكراهات الظروف.

 

 

محمد محمود محمد البشير