” حلمي أن أصبح أخصائية نسائية كي أساعد الناس، وخاصة النساء”

هكذا ترفع سالماتا عمر صو ذات الثماني عشر ربيعا شراع حلمها مستعيضة عن الإبصار الذي لم يكتب لها أن تولد به، بقوة العزم والبصيرة.

استطاعت سالي-كما يناديها والدها- أن تبرهن على أن العقل السليم هو ذروة سنام النجاح، بغض النظر عن أي عائق طبيعي آخر، فحصدت النجاح في مسابقة ختم الدروس الإعدادية، شاقة الطريق نحو أهداف أهم وأكبر بالنسبة لها.

لم يسبق أن شعرت سالي بنظرة ازدراء أو دونية من زملائها وزميلاتها، بل كانوا دائما، كما تقول، يعاملونها ” كشخص محبوب ومميز”، وبذلك بالإضافة إلى الدعم المستمر من والديها استطاعت أن تكلل مسيرة عامها الدراسي بالنجاح في مسابقة ختم الدروس الإعدادية.

يقول والد سالي: ” لا يوجد في أسرتنا أي تمييز بين الرجال والنساء، أو بين من يعاني إعاقة من نوع ما أو من هو سليم معافى، لذلك كان أمر إلحاق سالي بالتعليم أمرا حتميا، وبدعم منا جميعا، غير أني شعرت بنوع من الانزعاج في اليوم الأول من مسابقة ختم الدروس الإعدادية، حيث حاول المشرفون على المسابقة في إعدادية الميناء منع سالي من الحصول على مساعدة شخص ما في كتابة أجوبتها، وهو ما اضطرني إلى الاتصال بشخص من وزارة الصحة، ليؤكد للمراقبين أنها شخص كفيف فعلا”.

وتعتمد سالماتا في الحالة العادية على الكتابة في بعض المعدات الخاصة بالمكفوفين، تلعب فيها الأصابع وحاسة الاستشعار دور البصر ولسان القراءة، غير أنها مع ذلك تتمتع بسرعة بديهة وحفظ أبهرتا أساتذتها والمشرفين عليها.

لمانة محمد رئيس منظمة إحسان المختصة بمجال التعليم، وهي المنظمة التي استفادت سالي من دروس تقوية مسائية تقدمها، يصرح قائلا: ” لقد كانت سالي معجزة منظمتنا لهذا العام، فقد أبهرت أساتذتها بنباهتها، وسرعة بديهتها، وحفظها للمعلومات التي تتلقاها من لدن المؤطرين لكافة المواد التربوية، وقد شكل نجاحها حافزا مهما لنا وملهما لزملائها وزميلاتها التلاميذ”.

سالي التي لا يخفى على محياها خجل مستتر من وجود الكاميرا وأجواء التصوير، ترجع نجاحها، في المرتبة الأولى، لأسرتها قائلة ” لولا فضل الله تعالى ثم أبي وأمي لما وصلت لما وصلت إليه، فقد كانا دائما سندا لي. يدعمانني خلال كل خطوة أخطوها في سبيل التعلم وكسب المعرفة.

وعن موقفها من منظمة إحسان، فتقول سالي إنها تمثل بالنسبة لها “الأسرة الثانية التي لا تقل أفضالها عن أفضال الوالدين”.
حلم سالي هو أن تصبح أخصائية نسائية، تحمل على عاتقها مساعدة الآخرين على أن يحظو ب”الذرية الصالحة” كما تقول.
وبين إعاقة البصر وقوة العزم والبصيرة تجسد ساليماتا مثالا على الطموح الجاد، والإصرار على تحقيق أهدافها، ولسان حالها تمثل للمقولة السقراطية ” تكلم حتى أراك”، فالعقل يبصر أكثر مما تراه العين المجردة ضمن مساحة ما هو مرئي وما هو حقيقي.

 

محمد البشير