بعد عصر كل يوم، وفي حي من أحياءدار النعيم،

يجتمع أبناء الحي، رفقة زملائهم القادمين من أحياء مجاورة للاستمتاع بلعب الساحرة المستديرة.

لمين، أحد أبناء الحي لم يتجاوز بعد سنه العاشرة ،  يأتي رفقة أترابه وزملاء دراسته في المحظرة ،  مباشرةً بعد  انتهاء الدرس المحظريليلعب كرة القدم أو ليتفرج على أصدقائه يلعبون.

الملاعب الغبراء

في العادة يرتاد لاعبو كرة القدم ملاعب ذات نراجيل خضراء، غير أن صغار دار النعيم خلافاً لهؤلاء يلجأون لملعب ترابي، تدفعهم لهالضرورة..  يقول لمين : نلعب كل يوم هنا.. فهذا الشارع الكبير هو ملعبنا  ، تعودنا فيه أن يتبارى فريق من أبناء الحي الواحد مع أبناء الحيالمجاور. و ليست كرة القدميضيف أمينباللعبة الوحيدة التي نمارسها هنا،  فهناك لعبة أخرى نسميها  مرياريدوتُلعب بكرة صغيرةبحجم التفاحة، تتقاذفها الأيدي، حيث  يناولها لاعبٌ لآخر، فيما يشبه نوعا ماكرة السلةأوسباق التعاقب“.

مريم، سفاحة الساحرات المستديرات

في الوقت الذي تتعاور فيه أقدام  اللاعبين الصغار الكُرين بفوضوية،  يسيطر التشنج على “العمة مريم” كما يسمونها، و هي ربة المنزل المقابل للملعب فتصفهم بـقلةالاحتراموانعدام الأدب، خصوصا حين تقتحم الكرة نافذة بيتها، دون قصد، فلا تتردد مريم في شحذ سكينتها و بقر بطنالكرةثم  تقطيعها إربا إربا، غير أن الأطفال الذين فشلت توسلاتهم للعجوز مريم في إنقاذ الكرة، يعاودن الكَرّة بكرة جديدة، لا تكون أطول عمراً منسابقتها، إن هي اقتحمت عزلة مريم.

،أحياناً تقبل مريم شفاعة ابنها سيدي فتفرج عن الكرة قبل تنفيذ حكم الإعدام فيها.. فابنها سيدي هو الأسن من بين شلة اللاعبين الصغار،غير أن شغفه بكرة القدم لا يزال يحبسه ضمن فريق يكبر كل لاعبيه.

لقد أصبح احتجاز مريم للكرة التي ترتطم بجدار بيتها، أو تتسلل من نوافذه، و وعد سيدي لها باستبدال تلك الساحة  بأخرى بعيدة عنمنزلها، جزءً من قواعد اللعبة في ذلك الحي من دار النعيم.

مريم ليست أحسن حظاً من بعض المارة ،الذين يتلقون تارة ضربة موجعة بكرة غرب، يتجاهلها بعضهم فيواصل سبيله، و يحتج بعضهمفيسب و يشتم و يتميز غيظاً و لكن الأطفال الذين يتعقبون طريدتهم المستديرة لا يولونه غير الصّماء من آذانهم.

خاليدو صديق اللاعبين

وسط ذلك كله، يقع منزل خاليدو  على ناصية الشارع، المنكبَ للمنكب من منزل مريم ، إلا أنخاليدو  الذي أقعده المرض عن الكثير منممارساته الحيوية ، يجد متعة كبيرة، عكس مريم، في مشاهدة الأطفال و هم يلعبون أمام باحة منزله.. الأطفال الذين لايجدون حين يعطشونمن يتفضل عليهم بشربة ماء غير حاميدو الذي لا جمهور لهم سواه. و رغم أن بعض أفراد أسرة حاميدو يغيظهم ذلك إلا أنه لا يأبه لهم.

الحلم العنيد

لمين كابتين فريق الصغار يحلم بأن يكون  في المستقبل لاعب كرة قدم مشهور، يتصدر اسمه  الجرائد و المجلات و النشرات الرياضية.

يقول لمين، مبحلقاً في الكرة المستديرة التي يحملها في يده، و كأنه عجوز من الغجر تطالع مستقبلها في كرة بلّور:

  • سأواصل شغفي بكرة القدم.. و سألعبها في كل ظروف الزمان و المكان.. و سأمنحها كلي لتمنحني بعضها.. و غداً سأكون نجماً مننجومها.. تذكروا ذلك جيداً.

 

فاطمة إبراهيم