كثيرا ما نقوم بمسح مرايا دون مقابل, وأحيانا يساء إلينا لفظيا و جسديا من طرف أصحاب السياراتإنه عمل شاق حقا لكن ليس في متناولنا غيره“.

بهذه الكلمات التي لا تخلو من براءة يتلبسها شيء من التكلف الطفولي، استأنفصيدوكلامه معنا حول تجربته كماسح سيارات متجول بين مفترقات طرق متعددة بتعدد أسباب العيش بالنسبة له, فأينما وجدت إشارة مرور تحتم على صيدو تلبية نداء قوت يومه.

وعن سؤالنا كم تكسب لليوم الواحد يجيب صيدو:

ليس هنالك كسب محدد؛ أحيانا أقوم بمسح زجاج سيارة ما، ولا أحصل على شيء، وأحيانا أخرى احصل على عشر أواق جديدة، وفي بعض الأحيان على عشرين، وهنالك حالات يكون نصيبي فيها التعنيف اللفظي بحجة عرقلتي لحركة السير، ولكن الحمد لله لم يسبق لي أن تعرضت لعنف جسدي رغم أن أحد زملائي سبق ان صفعه سائق تاكسي لأنه مسح زجاج سيارته دون إذن منه

يشير اللون الأحمر في إشارات المرور على ضرورة التوقف والإنتظار، لكنه بالنسبة إلى صيدو فهو إشارة إلى الحركة والانذفاع نحو ما ينفعه ويمكث في جيبه سعيا إلى تحسين ظروف حياته، إنه صدى نداء العمل الكدحي التليد على نقيض اللون الأخضر الذي يشيربالنسبة إلى الآخرينإلى الحركة، وفي الثقافة المحلية يشير في بعض دلالاته إلى الخصوبة والإثمار، وفي أقرب دلالاته إلى موسم الخريف.

يقول صيدو: 

اللون الأحمر بالنسبة لي هو إشارة إلى الاندفاع نحو البحث عن ما أسد به حاجاتي اليومية الضرورية، ورغم أنه يذهب سريعا ويجيء قليلا إلا أن الدقيقة التي يقضيها ثابتا تمثل فرصة كبيرة لي، لذلك أغتنمها غالبا في مسح ما أمكن من السيارات على أن أغنم أوقيات ثمينة على قلتها“.

إن الوقت بالنسبة لصيدو هو الاقتصاد الثمين الكامن وراء كل عملة يمكن أن تقع عليها يداه المبللتان برغوة الصابون السائل التي  تلطخ زجاج السيارات وبعرقه المنهمر جراء جريه المستمر خلف الحاجة؛ وربما هذاهو سبب إدراكه لأهمية أية فرصة سمحت بها إشارة المرور.

ورغم ما للسعي خلف الحاجة في هذه المهنة من أهمية ومصيرية، فإنه قد يعيق سبيل أصحاب السيارات الذين يسابقون الوقت  من أجل أهداف لا تقل اهمية هي الأخرى عن أهداف صيدو وطموحاته ولسان حالهموفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

لا يحدد صيدو سقفا لما يحصل عليه في اليوم الواحد غير أنه يقدره قائلا: 

تقريبا في اليوم الواحد يمكن أن أقدر محصولي بما بين 60-90 أوقية جديدة, وفي مرات قليلة أتجاوز سقف المائة إلى 150 أوقية جديدة تقريبا“.

لم يشأ صيدو أن يكشف لنا عن علاقته بالأهل ومعرفتهم بهذا النشاط الذي يزاوله يوميا، لذلك اكتفى بالصمت المغلف بنوع من الحسرة البادية على وجهه، ليحمل عبء روحه المثقلة بهم الكدح في ختام يوم من ضوضاء وسط المدينة، متشبثا بمؤخرة باص خرب متجه صوب الميناء، وجهة سكون ليله المعتاد وراحته القليلة حسب ما أخبرنا في لحظة وداع قسري فرضتها إكراهات الوقت ووجهة قبطان الشوارع الصغير الذي جعلته الحياة والتجربة يكتهل ربما قبل الأوان.