تجلس السالمة على حصير بال في طرف خيمة مضروبة على مقربة من إعدادية عرفات 6، فيما تبدو مشدوهة بانتظار خروج ابنتها ذات السبعة عشر ربيعا من امتحان اللغة العربية صبيحة ثاني أيام امتحان شهادة ختم الدروس الإعدادية. 

تُعَدُّ السالمة وصواحباتها محظوظات جدا حين وجدن خيمة يقضين فيها ساعات الانتظار الطويلة طيلة أيام امتحان الشهادة الاعدادية وعلى مدى ثلاثة أيام، في حين لم تجد كثيرات من أمثالهن مكانا يحتضنهن ويقيهن حر لهيب الشمس في أيام صيفية/خريفية المناخ؛ فلم يكن أمامهن من خيار سوى التحاف السماء غطاءً واتخاذ الأرض وطاءً في انتظار انقضاء الأيام الثلاثة. 

السالمة مثال لآلاف الأمهات ممن يقضين أيام الامتحانات في ساحات المدارس حيث تجري الشهادات الوطنية، فلا تكاد تخلو أي مدرسة من هذه الظاهرة التي يبدو أنها آخذة في الانتشار عاما بعد آخر؛ إذ كانت تكاد تقتصر في السابق على مراكز الشهادة الابتدائية (كونكور) قبل أن تشمل لاحقا الشهادين الإعدادية (ابريفه) والثانوية (الباكلوريا).

السالمة أم لطالبة مشاركة في الامتحان، تقول مجيبة عن سؤالنا لها حول الدوافع التي أتت بها هنا: “حضرت لأشجع هذه البنت المشاركة في الامتحان وأرفع من معنوياتها وأكون إلى جنبها دائما”، لتواصل حديثها: “حين يخرج التلاميذ من الامتحان نكون إلى جنبهم لنشتري لهم ما يحتاجون من أجل خلق جو يعينهم على إجراء الامتحان في أحسن الظروف” قبل أن يقطع حديثَها رؤيةُ ابنتها قادمة من قاعة الامتحان بعد طول انتظار. 

تنفي السالمة أن يكون لحضورها أي دوافع سوى مرافقة ابنتها ومآزرتها ومساعدتها، فلم تأت لمحاولة ”تسهيل الغش أو أي ممارسة غير لائقة”، ولكنها تردف في الوقت ذاته: “فعلا لقد شاهدنا بالأمس حالة من محاولات بعض أمهات التلاميذ لتسريب الامتحان للطلاب وإعانتهم على الغش، ولكننا قمنا بتنبيه المراقبين على الفور ومنعنا التستر على أي محاولة من ذلك القبيل”، ولكن أحد عناصر الأمن المسؤولين عن حراسة المدرسة ينفي رواية السالمة بحزم، قائلا: “لم نلحظ أي شيء من هذه المحاولات، وكل ما يتم تداوله مجرد شائعات، فآباء التلاميذ لا يمكن لأي منهم أن يدخل المدرسة، ولا يمكنهم أن يساعدوا المشاركين في الامتحان وهم خارج أسوار المدرسة”. 

تلاميذ وتلميذات من المشاركين في الامتحان التقينا بهم في الاستراحة بين المواد عبروا عن ارتياحهم وسعادتهم جراء وجود أمهاتهم معهم طيلة أيام الامتحان، وأن ذلك يشكل رافعة لهم للتميز والنجاح.

على بلاط أحد المنازل قرب إعدادية عرفات 3 في العراء الخالي إلا من لهيب شمس يكاد المنزل يفشل في التصدي لها أو غبار تثيره السيارات العابرة من حين لآخر؛ تجلس أمٌّ أخرى ـ فضلت عدم الإفصاح عن اسمها ـ لإحدى البنات المشاركات في الامتحان على مستوى المدرسة.

ترى هذه الأم أنه لا يمكن أن تتخلف عن مرافقة ابنتها والمكوث معها طيلة أيام الامتحان لحضانتها ومساعدتها ومرافقتها في الرحلة الطويلة حيث تبعد المدرسة عدة كيلومترات عن مكان المنزل، وتردف الأم وهي في لحظة استراحة ما بين المادتين: “لا أفهم كيف يمكن لأسرة أن تترك الأبناء دون مرافقة ومساعدة أيام الامتحان؛ ويتأكد الأمر حين يكون المنزل في منطقة بعيدة عن المدسة ـ كما هو الحال بالنسبة لها ـ ولا يسمح للتلميذ بأن يصطحب معه أي هاتف.

تضيف الأم ـ وهي تهمس لي “بوي گرب الاه لا تعطبك الشمس” ـ أن هذه الظاهرة طبيعية جدا وفي غاية الأهمية رغم ما فيها من صعوبات وتحديات حيث لا يوجد مأوى مخصص يمكن أن يتخذه المرء للاستراحة سوى الجلوس في العراء.

ختو بنت السنهوري رئسية مركز الامتحان في إعدادية عرفات 6 ترى أن لهذه الظاهرة دورا إيجابيا كما لها دور سلبي في الوقت ذاته، وتضيف: “أحيانا يكون وجود الوكلاء هنا في غاية الأهمية، حيث يكون لهم دور مهم في مساعدة التلميذ في حال نسي بطاقة تعريفه أو تعرض لوعكة صحية، أو كان قادما من مكان بعيد لابد من أن يرافقه الأهل، بينما أحيانا يشكل وجود الوكلاء قرب المدرسة ضغطا على الطاقم، وقد يصل بهم الأمر إلى اتهامنا وشتمنا ولا نعرف بالضبط ماذا ينقمون منا”، وبخصوص محاولات الغش التي تحدثت عنها السالمة وآخرون تضيف ختو بإيجاز: “لم نلاحظ أي محاولات من هذا النوع”. 

وغير بعيد من هذا الرأي نجد رئيس مركز الامتحان بإعدادية عرفات3 الأستاذ إبراهيم الذي يرى أن هذه الظاهرة غير محببة، مضيفا: “وأعطينا التعليمات بمنعهم من الاقتراب من المدرسة لأنه لا توجد أي مشكلة تعنيهم حتى يساهموا بتسويتها، وليس لدينا أي تواصل معهم، وحين نلحظ أي مشكلة لدى التلميذ ـ مثل نسيانه بطاقة التعريف ـ نأخذ من عنده أرقام هاتف وكيله ونتصل عليه، قد يكون الأمر عائدا إلى العاطفة الزائدة لدى بعض الوكلاء”، ويرى أن مرافقة التلميذ إلى المدرسة يجب أن يقتصر فقط على الحالات الخاصة التي قد يعاني أصحابها من ضعف أو مرض أو نحوه. 

ويواصل إبراهيم الحديث عن هذه الظاهرة قائلا: “قد تكون لبعضهم أسباب وجيهة، ولكن أتوقع أن تكون لبعضهم الآخر أيضا دوافع غير بريئة”؛ ويعلل ذلك بقوله: “في إحدى السنوات الماضية لاحظنا محاولات منهم لتسريب الامتحان وحله للطلاب؛ وذلك عبر جلب أساتذة متخصصين في مواد الامتحان المطروحة وجمعهم على مقربة من المدرسة في سيارة أو في منزل ومحاولة الحصول على الأسئلة المطروحة لتسليمها لهم من أجل حلها ونقلها إلى المشاركين في الامتحان”. 

ويلخص إبراهيم مجمل حديثه السابق بالقول: “هذه الظاهرة لم نتضرر منها، وهي غير محببة عندنا”.

محمدو ولد أحمدو طالب جامعي في السنة الأخيرة من مرحلة الليصانص؛ حضر متفرجا إلى مدرسة الامتحان التي أجرى فيها شهادة ختم الدروس الإعدادية قبل تسع سنوات من الآن، يرى أن هذه الظاهرة قد بدأت في الانتشار منذ الأعوام القليلة الماضية، حيث كانت مقتصرة فقط على شهادة ختم الدروس الأساسية “كونكور”، مستذكرا أيام مشاركته في مسابقة ختم الدروس الإعدادية قبل سنوات؛ حين حضر وزملاءه وحيدن دون حاجتهم إلى مرافقة ذويهم لإجراء الامتحان، معتبرا أن في الأمر عواقب غير محمودة على مستقبل كثير من الطلاب، مضيفا: “هذا الأمر قد ينزع من التلاميذ الثقة في أنفسهم مستقبلا ويعلمهم الاتكال على أوليائهم في كل مراحل الحياة”.