لا تحمل التعديلات الأخيرة في الدبلوماسية الموريتانية  مسلكاً جديداً في العزل و التولية، مختلفاً عما درج عليه النظام السابق. فلا جديد في تعيين مثل محمد الأمين ولد الشيخ (السفير الجديد في الكويت) خلفاً لمحمدن ولد المختار ولد داداه، فوزير ولد عبد العزيز السابق و متحدثه الرسمي و سفيره في السعودية، الذي دافع و طالب بالمأمورية الثالثة، و تعهّد في أحدى خرجاته بأن يظل داعما له و لو غادر السلطة، قد لا يضفي تعيينه مسحة أخلاقية على وكلاء و ممثلي النظام الجديد في العالم، و إن جاز اعتباره استجابة سياسية لضغوط الجناح المناويء لحلفاء عبد الله السالم ولد احمدوا في السياسة المحلية بمقاطعة الركيز (جناح شقيقه الحسن ولد الشيخ)، الذي يرى في بقاء ابنه محمد أمينا عاماً لوزارة وحرمانهم من “منصب” غمطاً لدورهم ووزنهم السياسي و الاجتماعي في المقاطعة. في حين يرى الباحثون في خريطة العلاقات الاجتماعية لرجال الدولة حظوة لولد الشيخ من خلال زواجه من بنت خالة زوجة وزير الدفاع الموريتاني، في دولة يحكمها العساكر.

لقد تم استبداله  للسفير السابق في الكويت محمدن ابن الرئيس الأسبق المختار ولد داداه، الذي سبق أن كان رئيس الدبلوماسية الموريتانية في واشنطون، و الذي يتم استدعاءه الآن في ظروف يكتنفها الغموض، لا يستبعد أن يكون من أسبابها الفيديو الذي أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي لزوجته و هي توجه خطاب تهنئة للشعب و الحكومة الكويتية، بمناسبة “عيد التحرير”.

و هكذا تم استبدال حامد حاموني السفير السابق في روسيا بسفيرها الجديد القديم محمد محمود ولد داهي، الذي يرجع المحللون تعيينه لعلاقات شقيقه الخبير الدستوري الشهير محمد الامين ولد داهي بالنظام الجديد، حيث يعتبر مستشارا قانونيا للجنة التحقيق البرلمانية في فساد العشرية.

محمد محمود ولد داهي مهندس زراعي متخصص في مجال السدود، خريج الجامعات الروسية. سبق أن تولى الأمانة العامة لوزارة التنمية الريفية و لوزارة التجهيز و النقل خلال فترة معاوية ولد الطائع، الذي عيّنه سفيرا في موسكو في 2002 إلى أن تمت إقالته في 2008 من طرف ولد عبد العزيز بسبب الموقف من أخيه المحسوب على الرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال.

و كان ولد داهي قد أصدر في 2013 كتابا بعنوان “«Fonctions diplomatiques en pratique» يتناول فيه  ممارسة الوظائف الدبلوماسية، و هو مجال خبره لسبع سنوات بالممارسة و إن كان بعيدا عن اختصاصه.

و قد  طوّر ولد داهي علاقات جيدة بالروس، و كان مهندس اتفاقات كثيرة لموريتانيا مع الكرملين، خلال فترته سفيرا فيها، ربما يحتاج النظام الجديد تفعيلها و نفض الغبار عنها.

و من ضمن من تم استبدالهم بسفراء جدد فاطمه فال بنت اصوينع السفيرة السابقة في ابيدجان، و وزيرة خارجية ولد عبد العزيز السابقة و أستاذة اللغة الإنجليزية التي لا تتقنها  و التي يعتبر المراقبون تعيينها ابتداءً من أفظع أخطاء الرئيس السابق التي تكشف عن استهتار كبير بالكفاءة و الأهلية و الخبرة، و قد خلفها في سفارة ابيدجان المفوض السابق لحقوق الإنسان، وهو تعيين قد يعتبر مداراة للوزير الأول الأسبق الشيخ العافية ولد محمد خونه، الذي ينشط شقيقه سيدنا عالي في الجانب الموالي حالياً لولد عبد العزيز،  حيث يتزوج ولد خطرة بربيبة الشيخ العافية، كما تربطه أيضا علاقات مصاهرة بالمحيط الاجتماعي لولد الغزواني.

و هكذا يأتي تعيين السفيرة سابقا بإيطاليا مريم بنت أوفي قنصلا في لاس بلماس خلفا لسيدي محمد ولد محمد الراظي بعد استقالتها  في يناير من العام الماضي  من منصبها مديرة لقطاع أمريكا و آسيا بالخارجية الامريكية ، إثر نشرها تغريدة رحبت فيها بترحيل السلطات الموريتانية للحقوقي و الإعلامي الفرنسي جان مارك. و قد أعتبر محللون أن دافع استقالتها هو الخوف من إحراج النظام الجديد، و هي استقالة لقيت ترحيبا من مدونين و كتاب رأي اعتبروها نموذجا جيدا في “تحمل المسؤولية” و في “المحاسبة العمومية”.. فهل يكون هذا التعيين مكافئة متأخرة لها على “التغريدة” أو على “عدم إحراج الدولة” حينئذ باستقالتها؟

ويعتبر محللون أن تعيين شيخنا ولد النني سفيرا في اليونسكو بالعاصمة الفرنسية باريس، قادما من دكار، حيث استبدل في منصبه بالدح ولد التيس،  تلبية لطلب نقله لعاصمة أوروبية يمكنه فيها أن يجد العلاج المناسب لمرض يعاني منه منذ بعض الوقت. و كانت مصادر تقدمي قد أفادت أن مساعي ولد النني لرئاسة سلطة تنظيم الاتصالات قد اصطدمت بعلاقاته المتوترة بمدير ديوان الرئيس.

وقد خلف ولد النني في منصبه الجديد سيس بنت بيده، الوزيرة السابقة التي أقالها ولد عبد العزيز من منصبها، بطريقة “مهينة”، اعتبرت استفزازا لشقيقها الضابط  حماده ولد بيده، الذي يعتبر من الضباط الأكفاء المقربين من الرئيس محمد ولد الغزواني.

وفي ذات السياق أحيل بلاه ولد مكيه للتقاعد ليخلفه في سفارة موريتانيا بالجزائر ودادي ولد سيدي هيبه،  الذي تم استبداله بسيدي محمد ولد سيديا السفير الجديد في مصر، المقرب اجتماعيا من ولد الغزواني. تماما كما خلف الحسن ولد محمد (الوحيد الذي ينتمي لشريحة لحراطين ممن طالتهم التعديلات الدبلوماسية) السفير السابق في بغداد سيداتي ولد أحمد عيشه الذي تم نقله للنيجر، البلد الذي انتخب أمس رئيسا جديدا من أصول عربية تربطه علاقة صداقة شخصية بالرئيس الموريتاني.  

و هكذا  استبدل ابن عم الرئيس السابق محمد ولد الطالب، الذي تم تعيينه بعد انتخاب ولد الغزواني رئيساً، سفيرا لموريتانيا في اندونيسا، و هو التعيين الذي يقال إن ولد عبد العزيز استشار فيه ولد الغزواني شخصيا، بالسفير السابق في الخرطوم الحسين ولد الديه.

و في الوقت الذي سقط فيه ولد لطالب حراً في  هاوية اليمن يخلف محمد محفوظ ولد الشيخ القاضي السفير السابق بالسودان ولد الديه في منصبه.

إنها تعيينات رمادية، ليست سيئة بالمطلق و لا جيدة بالمطلق، و لكن هل أن وجود “محمد الأمين ولد الشيخ” المكروه جدا من طرف الموريتانيين ضمنها، هو ما جلّلها بالسواد.؟… ربما.!!