خلال الأيام الماضية عاد الحديث مجددا حول مدينة لگويرة فمع اعلان الحكومة المغربية عزمها انشاء ميناء بحري في مدينة الداخلة، عجت مواقع التواصل الإجتماعي بصفحات مزيفة تتحدث باسم الجيش الملكي وتدعى عزم المملكة بسط سيطرتها على هذه المدينة الشاطئية المهجورة، وقد انتشرت مئات التدوينات على الفيس بوك تدعو الي تحرك القوات الملكية لوضع اليد عليها باعتبارها ارضا مغربية، تقابلها مئات الردود من المدونين الموريتانيين بعضهم من مشاهير الصحفيين والمدونين ومنهم غير ذلك انصبت ردودهم حول موريتانية لگويرة واستحالة ضمها للأراضي المغربية وأن شأنها شأن أي شبر من الأراضي الموريتانية الأخرى.

تقع مدينة لگويرة على شاطئ المحيط الأطلسي وتبعد 15كلم من مدينة انواذيبو، العاصمة الاقتصادية الموريتانية، وتتمتع لگويرة بمناخ معتدل وجميل طوال السنة، وتمتاز شواطئها بعينات من الأسماك النادرة، وتهاجر اليها آلاف الطيور سنويا، كما تتمتع بموقع استراتيجي هام جعلها أهم نقطة تمركز للقوات الاسبانية في هذا المنطقة قديما.

بعد خروج اسبانيا من المنطقة عام 1975م وقعت موريتانيا والمغرب واسبانيا اتفاقا يقسم الصحراء الغربية بين موريتانيا والمغرب، التي كان يدعي الطرفان السيادة عليها وبموجب هذا الاتفاق حصلت موريتانيا على الجانب الحنوبي من الصحراء الذي يضم مدينة لگويرة وحصل المغرب على الجانب الشمالي، لكن حرب الصحراء اندلعت في العام نفسه بين البوليساريو مدعومة من الجزائر وموريتانيا والمغرب من جهة أخرى قبل اتفاق 1979 بين موريتاينا والبوليساريو، تخلت بموجبه موريتانيا عن بعض الأراضي الصحراوية.

كان خروج الاسبان من لگويرة هو آخر عهد بالحياة في هذه المدينة الشاطئية الجميلة، واصبحت أطلالا، بعد أن كانت معبرا بحريا للسفن المحلة بالبضائع نحو جميع انحاء العالم، ويلاحظ الزائر لها، كيف كانت مدينة حديثة ببناياتها الجميلة المنظمة لطرق المعبدة المنتشرة فيها، واليوم صارت مدينة أشباح لا يزورها الا رعاة القطعان.

يقول الصحفي المغربي سعيد المرابط إن كل المؤشرات على الأرض، والتحركات السياسية التي تقوم بها الرباط تظهر أن المغرب ينوي فعلًا أن يضع يده على الگويرة؛ أو يوهم ذلك لغاية أخرى.

ولكن مما يصعب الأمر في هذه الظرفية، هي العلاقة التي ساءت مؤخرًا بين الرباط ومدريد، خصوصًا بعد استقبال الأخيرة لإبراهيم غالي؛ وقد كانت الرباط تطمع في وساطة مدريد بحكم علاقتها التاريخية بالقضية الصحراوية، واتفاقية مدريد التي قسمت إقليم الصحراء بين المغرب وموريتانيا.

ويضيف سعيد المرابط في تصريح لتقدمي أن معضلة المغرب في الگويرة هي أن موريتانيا لن تتنازل عنها بسهولة، أولا لأنها الضامن الوحيد لبقاء موريتانيا في مشهد القضية الصحراوية من جهة، وثانيا لأنها منطقة عسكرية تحمي بها موريتانيا ظهرها من أي شيء قد تتوقعه.

ويعتقد أن مطالبة الرباط بالگويرة في الوقت الحالي، سيفتح لها بابًا من الأزمات السياسية والاقتصادية مع موريتانيا، وهو الأمر الذي سيقود الرباط إلى عزلة في المنطقة؛ ولا أعتقد أن المملكة ستغامر بخسارة العلاقات مع موريتانيا التي تمثل الطريق الجنونية نحو إفريقيا؛ من أجل مدينة لا أخضر ولا يابس فيها، حسب وصفه.

من جهته الصحفي الموريتاني عنفار سيدي الجاش( مقيم في واشنطن) اعتبر أن جس النبض الذي تقوم به وسائل إعلام وصفحات مغربية غير رسمية على منصات التواصل الإجتماعي الآن سببه الإعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، وخروج المغرب منتصرا على ما يبدو (رغم عدم وضوح الصورة بشكل جلي) من مناوشاته الأخيرة مع البوليساريو التي بدت ضعيفة عسكريًا مقارنة مع المغرب ومقارنة مع ما نسمعه عن “الاستعداد للتحرير”، ويبدو أن شهية المغرب قد تحركت لما وراء الگرگرات.

ويضيف أن معركة الگرگرات كانت بالغة الأهمية بالنسبة للمغرب من الناحية الاستراتيجية، وقد تزامن كسبه لها ميدانيا مع انتصار دبلوماسي غير مسبوق مثله الموقف الأمريكي، وأن جس النبض المغربي ليس رسميا حاليا، لكن يتم تحريكه رسميا بكل تأكيد وذلك أن ملف الصحراء بالنسبة للمغرب قضية حساسة ترقى إلى مستوى حساسية الملكية، وهذا الملف ظل من اختصاص القصر الملكي والقنوات الرسمية التي لا تتصرف فيه قيد أنملة دون الرجوع إليه، وبالتالي فإن جس النبض ليس عبثيا وليس عفويا.

ويضيف عنفار “بقي المغرب خلال عقود حريصا على عدم تغيير الوضع الراهن، كما أنه ظهر حريصا بشكل خاص منذ السنوات الماضية على كسب الود الدبلوماسي لموريتانيا، سيما بعد توجهه نحو العمق الإفريقي ودرايته الواقعية بأهمية موريتانيا كمعبر بري وحيد له نحو الدول الإفريقية في ظل استمرار خلاف الجزائر والرباط والجميع يذكر موقف المغرب بعد تصريحات السياسي المغربي حميد وشباط، وسرعة تحركه في جبر خاطر موريتانيا ورفضه القاطع لتصريحات شباط، بل تقريعه تقريعا شنيعا في رسالة لوزارة الخارجية المغربية.

ويرى مراقبون أن عودة الحديث مجددا عن قضية لگويرة وامكانية تدخل المغرب للسيطرة عليها يأتي كردة فعل على الطريق التجاري البحري المباشر الذي دشنته الجزائر وموريتانيا الشهر الماضي وأن المغرب تراقب هذا الخط وما سينتج عنه من تبادل تجاري وهل سيؤثر على صادراتها للدول الافريقية، وأنها لن تفرط في تجارتها الافريقية التي تمر عبر الأراضي الموريتانية وأن الضجة التي تثار الآن حول لگويرة مجرد جعجعة بلا طحين.

محمد عبد الله ولد ايسلمو