لم يعلن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في مؤتمره أمس عن أي جديد بخصوص ملفه القضائي، ولم يتطرق بشكل جدي لعلاقته مع الرئيس الحالي، إضافة إلى مصدر ثراءه الذي كان هو السؤال الأبرز لدى الصحافة.

كان كلام ولد عبد العزيز ليلة أمس تماما كما كان قبل أيام مع صحيفة “جون آفريك” دون أن يزيد بحرف واحد، سوى أن لغة الحوار هناك تطلبت من محرر المقابلة محاولة الاختصار، في حين كان الوقت والمكان واللغة أمس في صالح الرئيس السابق، حيث تحدث بين أنصاره ومحبيه، وبلغة عامية سمحت له بالكثير من الشعبوية و الاستطراد وحشو الكلام.

في بداية كلامه بدأ الرئيس السابق كعادته في تمجيد عشريته وإنجازاته، ليقارن بعد ذلك بينها وبين ما تحقق خلال ما مضى من مأمورية خلفه، متهما النظام الحالي بترسيخ الفساد وتكريس المحسوبية، معلنا أن الشعب الموريتاني يتعرض لمؤامرة كبرى يشارك فيها النظام جنبا إلى جنب مع المعارضة وهيئات المجتمع المدني وحتى الصحافة والمدونين.

حاول ولد عبد العزيز كما فعل من قبل أن يظهر في موقف المظلوم الذي سلب كل حقوقه، وهو يريد من خلال ذلك كسب تعاطف المواطن، فتحدث عن انتزاع الحكومة لحزبه منه، وحجز ممتلكاته وممتلكات أهله وأقاربه، وهي حسب ما قال كلها شرعية مهما فعلوا، وأعاد عزيز تلك الكرة الليلة متفاخرا بامتلاك الكثير من الأموال، معلنا عدم حاجته لأي دعم خارجي.

تفاخر ولد عبد العزيز بتنفيذ انقلاب 2005 تخليصا للموريتانيين من قبضة نظام جثا على الصدور لأكثر من عقدين وأهلك الحرث والنسل، ونفذ انقلابا عسكريا ثانيا 2007 بعد أن عادت نفس الوجوه السابقة إلى مراكز صناعة القرار.

وحين أنهى مأموريتيه رفض ولد عبد العزيز أن يتحايل على ديمقراطية البلد ويواصل مشواره الرئاسي، رغم دعوة المسؤولين والسياسيين والبرلمانيين له لفعل ذلك، واستعدادهم التام لدعمه، بذلك يوضح الرئيس السابق عدم رغبته في السلطة والتعلق بها لتحقيق مصالح شخصية، فكل ما يهمه هو مصلحة البلد والمواطن على حد تعبيره.

هنا تكمن مفارقة عجيبة، لعلها الأولى من نوعها على المستوى الإفريقي بل وحتى الدولي؛ شخص واحد يفخر بتنفيذه انقلابين، إضافة إلى تخليه عن السلطة، أمر محير فعلا، ولعل الطريقة التي دخل بها السلطة هي نفسها التي خرج بها، بطريقة مختلفة.

خيبة أمل الصحافة

لم يغير ولد عبد العزيز من أسلوب تعامله مع الصحافة، فلا زال ينهر كما كان يفعل في الثكنات العسكرية، ويأمر تارة ويهدد تارة أخرى، وفي ليلة أمس نهر إحداهن وأمرها بالسكوت وإلا فأمرها بيده يخرجها صاغرة كما يريد، وقاطع أحد الصحفيين؛ “لماذا تتحدث هكذا، عليك أن تتكلم بشكل بطيء، أنت لست محققا وأنا لست متهما لديك”، وربما الشيء الوحيد الذي افتقده ولد عبد العزيز الليلة الماضية كان التحكم، فليست صفحات الفيسبوك مؤسسات عمومية رهن إشارته، وليس الصحافة الحاضرون عمالا تحت يديه.

قبل انطلاق المؤتمر الصحفي، خرج بعض الصحفيين الغاضبين، محتجين على تحديد اللجنة المنظمة عددا معينا من الصحافة يمكنهم تغطية الحدث، وهو ما رفضوه، مؤكدين على أن المؤتمر يجب أن يكون مفتوحا أمام الجميع، وإلا فلا يمكن وصفه “بالصحفي”.

وقبيل نهاية المؤتمر انسحبت كثير من الفرق الصحفية التي كانت تغطي الحدث من داخل الغرفة، معلنين خيبة أملهم في ما حدث، حيث كانوا يتوقعون أن يهتز الشارع الموريتاني بكلام الرئيس، كما قال ذلك محاموه، في حين لم يكن هناك جديد، فما قيل قد قيل.

محمدن محمد فال