في معرض رده على ”سؤال جوال“ حول ملاحظاته على مسار ملف العشرية، الذي يتهم فيه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز و بعض رجال نظامه، قال السياسي و الأكاديمي الموريتاني جميل ولد منصور (رئيس حزب ”تواصل“ الإسلامي سابقاً) ما نصه:

بالنسبة لملف العشرية ومساره الذي سلك حتى الآن فإنه قد يستدعي الملاحظات أو الوقفات التالية:

الملاحظة أو الوقفة الأولى هي أنه رغم ما وقع من تشكيك ومن طرح أسئلة استفهام في البداية بل ومن تأكيد كثيرين على أن هذا (الموضوع لن يبرح مكانه) فقد اتخذ مسارا معقولا بل كان منسجما في عمومه.

بدأ تحقيق برلماني بمبادرة من مجموعة من البرلمانيين متنوعة سياسيا، وفعلا حددوا مجموعة من الملفات لا يستطيع أحد أن يتجاهل السياق السياسي الذي حددت فيه، لكنها على كل حال محددة وتتعلق بتسيير المرحلة الماضية، لأن التحقيق لايمكن أن يشمل المرحلة كلها، حيث أنه بالرغم من تحديد ملفات معينة فقد استغرق التحقيق فيها كثيرا من الوقت وأخاف ألا يكون قد استكمل جميع جوانبها.

إذن أخذ مسارا برلمانيا؛ حيث كونت لجنة وعملت ووثقت وفصلت وصاغت تقريرا يرى معظم الناس أنه تطغى عليه الفنية والموضوعية -وإن كان لا يخلو عمل بشري من النواقص- وصادقت عليه الجمعية الوطنية، هذا مسار برلماني وكان سابقة في البلد وقد احتفى بها كثيرون ويتمنون ألا تكون عملا يتيما في تاريخ العمل والتحقيق البرلمانيين، من أجل أن تكون ذات مصداقية، ومن أجل أن يكون هذا الأمر أيضا عرفا في التحقيق البرلماني في البلد وذلك مهم في قوة المؤسسات وفي توازن أقطاب السلطة الرئيسية خصوصا هذه السلطة التي تناط بها الرقابة والتشريع. 

بعد ذلك مر الملف بمسار قضائي أولي أو يتحقيق ابتدائي كما هو متعارف عليه، وظن كثير من الناس أن الموضوع سيتوقف هنا ولن يقع تحقيق، ولكن تم التحقيق الابتدائي وانتهى وتجاوزنا تلك المرحلة إلى مرحلة أخرى هي التحقيق القضائي بعد تحديد الاتهامات، حيث حددت الاتهامات وحددت العناصر الموجهة إليها تلك الاتهامات وبدأ قطب التحقيق عمله ومازال مستمرا حتى الآن.

إذن المسار عموما رغم بعض الملاحظات هو مسار منسجم ومفهوم وتحلى أصحابه بالصبر حتى بينوا للناس أن الأمور تسير كما ينبغي لها.

طبعا استغرب البعض محدودية اللائحة التي وجهت لها الاتهامات، وبعضهم استغرب أيضا عدم إيداعها السجن ولكن تقديرات ذلك كله عند الجهات القضائية التي وجهت الاتهام، وننتظر انتهاء هذا المسار حتى يكون الحكم عليه أكثر موضوعية وأكثر معقولية لأنه يكون قد اكتمل.

هذا فيما يتعلق بالمسار الذي سلكت الأمور، وكان ينبغي للجميع -وأعلم صعوبة ذلك- أن يغلبوا ما أمكن الانتظارية التي يتوقع أصحابها نتيجة إيجابية من هذا الملف ومساره.

حاول الرئيس السابق منذ فترة قصيرة أن يحول الموضوع من موضوع قضائي جنائي يعنى بالتحقيق في تسيير المرحلة الماضية في جملة من الملفات إلى موضوع سياسي ومنازلة وصراع سياسي، وكانت محاولاته الأولى مع الحزب الوحدوي والآن مع حزب الرباط، وأصبح الموضوع بالفعل يحمل معنى سياسيا،

لكن ألاحظ أنه لم يتم التعامل معه على ذلك الأساس سواء من الطرف الذي يشرف على المسار القضائي أو من طرف السلطة التنفيذية ذات الطابع السياسي أو حتى من طرف معظم الفاعلين في المشهد السياسي، ولذلك أرى أنه لم تنجح محاولته تلك في تحويل الملف من ملف قضائي إلى ملف سياسي ولا يمكنها النجاح أصلا لأن هذا الموضوع والخلاف في أصله وأسبابه ليست أسبابا سياسية متعلقة باختلاف توجهات أو اختلاف مواقع أو اختيارات، قد تكون هناك بالفعل ظلال سياسية أو ظلال متعلقة ببعض الأشخاص لكن في العموم فإن الموضوع الأكثر حضورا هو ملف التسيير في المرحلة الماضية والتحقيق الذي جرى حوله  والنتيحة المنتظرة منه، ومهم للشعب الموريتاني أن ينتهي هذا الموضوع بنتيجة، وأهم نتيجة قد ينتهي بها هي استرجاع  مايعتبر أنه أموال للشعب قد تم هدرها، لكن الأهم من كل ذلك أن يصبح هذا عرفا في البلد؛ فأي رئيس أو مسؤول يمكن أن يساءل وأن يحاسب على ذلك المسار وذلك التسيير.