يشكو المواطن الموريتاني من الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية في ظل تدني القدرة الشرائية وانتشار الفقر بين صفوف المواطنين.


وبحسب التقارير السنوية التي تصدرها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة فإن ثلاثة أرباع الموريتانيين فقراء جدا، فيما يعيش ثلث الشعب تحت خط الفقر، مضيفة أنهم الأكثر معاناة من الفقر في منطقة شمال إفريقيا.


وقد زادت جائحة كوفيد 19 من حدة هذا الوضع حيث أُغلق العديد من الأسواق وتم تطبيق حظر التجول مما أثر سلبا على الأنشطة الاقتصادية للمواطنين.

ورغم انتشار الفقر وتدني القدرة الشرائية للمواطن الموريتاني إلا أن أسعار المواد الغذائية منذ سنوات تواصل ارتفاعها، وقد رصد منتدى المستهلك الموريتاني وناشطون مجتمعيون ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الأساسية في السنتين الماضيتين اقتربت في بعض المواد الغذائية من حاجز 100%.

وردا على ذلك الارتفاع قررت وزارة التجارة الموريتانية تحديدا لأسعار أغلب المواد الغذائية وخفضت أسعارها بنحو 10% ووعدت بالتطبيق الصارم لهذه الأسعار ومعاقبة كل من يحاول خرقها وعدم الالتزام بها.

وسنأخذ في زاوية ” سجال” وجهة نظر كل من الرأيين المتصدرين للمشهد؛ بين من يرى أن الارتفاع الحاصل في أسعار المواد الغذائية عائد بالأساس إلى عوامل خارجية ليس للدولة ضلع فيه، كجائحة كوفيد 19وما سببته من إغلاقات وتأخر للشحن بالإضافة إلى أزمة الحاويات على المستوى العالمي، وأن تدخلات الوزارة الوصية لضبط الأسعار على مستوى التحدي وأنها ستضمن عدم عجز المواطن عن شراء قوته اليومي عبر فتح دكاكين أمل والتحويلات المالية التي توزعها وكالة تآزر.

وبين من يرى أن ارتفاع الأسعار عائد بالأساس إلى الاحتكار الذي يمارسه التجار بالإضافة إلى المضاربات في الأسواق، وأن الدولة ـ ممثلة في الوزارة الوصية ـ عاجزة عن ضبط الأسعار ودعم القوة الشرائية للمواطنين وأن تدخلاتها من حين لآخر لا تعدو كونها “ذرا للرماد في العيون”.

لتمثيل الرأي الأول يقول محمد المصطفى ولد اعلي مدير إدارة حماية المستهلك وقمع الغش بوزارة التجارة:

أعتقد أن الإجراءات التي قامت بها الدولة تنم عن شعورها بأن الأسعار فعلا قد وصلت مرحلة تؤثر على المواطن البسيط، وما تقوم به من برامج يتناسب مع ظروف ودخل المواطن.

وتحديد هذه الأسعار لأول مرة في تاريخ الدولة لا شك أنه عامل أساسي في دعم المواطن وقوته الشرائية.

الأسعار فعلا مرتفعة ولكن لذلك جملة من الأسباب منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، فأما الخارجية فمن أهمها وضع جائحة كوفيد 19، بالإضافة إلى نقص الحاويات وارتفاع أسعار الزيوت والسكر على المستوى العالمي، كذلك التأخر الذي يحصل في الشحن مما يدفع التاجر إلى زيادة السعر على المادة لتأخر وصولها عن الوقت المحدد.

ولا شك أن القوة الشرائية للمواطن الموريتاني منخفضة لأننا من دول العالم الثالث والدخل مرتبط بممارسة النشاط اليومي وهو ما أثر عليه وضع كوفيد 19، لأنها عرقلت الكثير من الأنشطة التي كان يقوم بها الفرد، ولكن البرامج التي قامت بها الدولة على مستوى “أمل” أو عبر تقسيم الأسماك والعديد من البرامج الاجتماعية والتقسيمات المجانية التي قامت بها تآزر؛ كل ذلك قامت به الدولة من أجل دعم المواطن كي يتحمل هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة.


وعلى كل حال فإن الدولة في الاتفاق الذي حددت فيه الأسعار قد منحت أسبوعين للمفاوضات مع التجار، وللدولة وسائلها الخاصة لضبط ذلك؛ لأنه بإمكانها أن تطلع ـ عبر مصالحها الخاصة ـ على التكاليف والأسعار التي يشتري بها التجار من الخارج وما يتحملونه من تكاليف لإيصال البضائع، وهذا الاتفاق لم يأت اعتباطا؛ وإنما جاء بعد مشاورات مع الموردين وأرباب العمل الذين ناقشت الوزارة معهم كل ذلك، وفي الأخير خلصت إلى هذه الأسعار التي اتفق عليها الجميع.

ويبقى فقط تطبيق هذا الاتفاق، ونطلب من كل مواطن أن يبلغ عن أي تجاوز يلاحظه عبر الأرقام الخضراء التي نشرتها الوزارة.


وعلى أي مواطن أراد شراء بضاعة أن يأخذ فاتورة عليها، وإن امتنع البائع عن تسليمه الفاتورة فليتصل بأحد هذه الأرقام المجانية، وقد أنشأنا خلية جاهزة من أجل معالجة هذه الاتصالات، وفِرقُنا تتجول في جميع المقاطعات، وقد تم تبليغنا من طرف هذه الفرق عن عدة خروقات وقمنا مباشرة بإغلاق محلات أصحابها وسينالون عقابهم اللازم، وهي عملية تتطلب تكاملا ما بين الإدارة والمواطن والمجتمع المدني من أجل القضاء على هذا الغلاء وتطبيق الأسعار التي حددت الدولة.

ولتمثيل الرأي الثاني الذي يرى أن الحكومة عاجزة عن ضبط الأسعار تاركة المواطن تحت رحمة التجار، فيعبر عنه الخليل ولد خيري الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني في مقاله التالي:

إن المنحى البياني لأسعار المواد الأساسية في تصاعد مستمر كما تؤكد معطيات أسواق المواد لاستهلاكية وهو تصاعد يترك بصماته السلبية  على القوة الشرائية ويؤثر على الأمن النفسي والمادي للمواطن الموريتاني خاصة مع استشراء الغلاء وتفاقم تداعياته يوما بعد آخر في ظل عجز السلطات عن معالجة أسباب  الغلاء وتلافي العوامل التي تؤدي إلى انفلات الأسعار، وقد فاقمت  ظروف جائحة كورونا من هذا الواقع بفعل انعكاساته السلبية على الاقتصاد العالمي وتضرر الاقتصاديات الهشة  بشكل أكبر  من حالة الكساد التي خلفها الوباء، ومع ذلك لا يمكن  القول إن  الغلاء وتردي الوضع المعيشي وليد كورونا، فمنذ حوالي عقد من الزمن والبلاد تعيش موجة غلاء   لم تخفف من تأثيراتها البرامج الاستعجالية ولا عمليات  التضامن ولا التآزر ولم تكسر شوكتَها السياساتُ الاقتصادية والمالية بما في ذلك تعويم الأوقية وتبديل الأوراق النقدية ولا مراجعة الديون ولا الفوائد، وفي المقابل لم يجد المواطن أي أثر للطفرة في أسعار الحديد ولا للحديث عن الاحتياطات من الذهب والغاز …الخ

واليوم يتطلع الجميع إلى معالجة جادة وشمولية لكل أسباب الغلاء وتشخيص العوامل الكامنة وراءها والتي من أبرزها: الفساد وسيطرة التجار في ظل الليبرالية المتوحشة.

اليوم وقد أعلنت السلطات عن مواد جديدة قالت إنها اتفقت مع التجار على خفض 10% من سعرها، والحقيقة أنها لم تقدم جديدا في السعر حتى الآن رغم مضي أكثر من أسبوع على القرار عدا ظاهرة الاحتكار التي ظهرت اليوم؛ حيث رفض بعض التجار اليوم بيع السكر في الجملة، واللحوم والدجاج كذلك غير متوفرة اليوم بسبب الاحتكار للأسف، فقد وصلتنا في منتدى المستهلك عدة شكاوى وتظلمات من مناطق مختلفة بنواكشوط من عدم التزام التجار بالأسعار المحددة، وهذا ماكنا نتوقع بسبب ارتجالية القرار وعدم واقعيته.

ويبقي الإشكال الأكبر المرتبط بأسباب الغلاء يكمن في عدم الشفافية في منح العملات الصعبة لتغطية الواردات والاحتكار والمحاباة في الصفقات العمومية، وهي ممارسات استقر بها العمل ودرج عليها أولو السلطة والنفوذ خاصة عند التجار الكبار ـ وهم قلة ـ في مقابل تجار ـ وهم الأكثر ـ لا يتوفرون على الفرص الممنوحة لمنافسيهم، في مقابل سلبية مقيتة لدى المستهلك وعزوف مقعد عن المطالبة بحقوقه، واستكانة ومذلة أمام سلطان الدولة وهيمنتها.

ثم هناك الانتهازية الصارخة لدى التجار عموما بدءا من الموردين وحتى أبسط بائع تجزئة، وخفوت الوازع الأخلاقي والديني لدى الكثيرين من الموردين والتجار، فضلا عن فشل السياسات التنموية وانكماش الأداء الاقتصادي مما تسبب في تراجع قيمة الأوقية أمام العملات الأجنبية وارتفاع التضخم، وتحكم كبار التجار والموردين في القرار بسبب البحث عن دعمهم وتمويلاتهم في الانتخابات وإفساد مجمل القطاعات الخدمية ذات الصلة المباشرة بالمستهلك من خلال تسييسها، إلى غير ذلك من عوامل تظل معالجتها أساس أي عمل جاد  ومقاربة شمولية.