أجرت مجلة جون أفريك الناطقة بالفرنسية لقاء مع الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، وفي أول سؤال يتعلق بموقفه السياسي، وما إذا كان قد أصبح معارضا قال ولد عبد العزيز “نعم، لأنني على خلاف تام مع ما يحدث في بلدي. علاوة على ذلك، فإنني لم ألتزم قط بالتوقف عن ممارسة السياسة، بعد كل الجهود التي بذلتها لمحاولة تحسين الظروف المعيشية للسكان وتأمين البلاد“.

وأضاف ولد عبد العزيز أنه في كل مرة، كان يقترب فيها من أحد الأطراف السياسية، إنما كان يفعل ذلك مدفوعا بالخوف من أن يحظر نشاطه السياسي، قائلا “كان لدي حزب أنشأته بمفردي عام 2009، لكن الحكومة الحالية انتزعته وصادرته مني، فتخليت عنه وباشرت البحث عن حزب آخر، وهكذا عثرت على حزب جديد في أغسطس 2020، وهو الحزب الاتحادي الاشتراكي الديمقراطي بزعامة محفوظ ولد عزيزي، والذي تم حظره لاحقا.

وفي ظل هذا الجو من الخوف- يقول بخصوص اختياره لحزب الرباط- من الحظر كنت في كل مرة أقترب من أحد الأحزاب، يصبح عرضة للضغوط، حتى امتلك رئيس حزب الرباط الوطني الشجاعة لقبول العرض. ومن الآن فصاعدا سأصبح عضوا في الحزب، وسنبدأ العمل في الأيام والأسابيع القادمة في استقطاب المناضلين، وسوف نغير الكثير من الأشياء داخل هذا الحزب.

وبشأن البيان الذي نشره، وهجومه على السلطة وعلى كل الطبقة السياسية، قال ولد عبد العزيز، إنه لا يهاجم السلطة فحسب، بل أغلبية كبيرة من المعارضة كذلك، مبررا ذلك بأنه كان يتعرض للشيء نفسه عندما كان في السلطة من طرف سياسيين، ورغم ذلك فهو لم يسعَ يوما إلى تكميم الأفواه بحسب تعبيره، وقال إنه في الآونة الأخيرة قام بالكثير من التنازلات لدرجة تجعله ليس بحاجة إلى حلفاء ممن وصفهم بأنهم لا يلعبون دورهم كمعارضين أو حتى كمؤيدين، ووصف ولد عبد العزيز ما يحصل في البلد بأنه “مؤامرة دبرت ضد الشعب الموريتاني”.

وفي سؤال الصحيفة حول تخلي داعمي ولد عبد العزيز عنه، وكذلك لومه للرئيس الحالي على مد يده للمعارضة، أجاب ولد عبد العزيز بأن النظام الموريتاني الحالي في خضم جائحة كورونا ضاعف ميزانية الرئاسة ثلاث مرات أو حتى أربع مرات في عامي 2020 و2021، كما تمت زيادة ميزانية الجمعية الوطنية، مضيفا -حسب تعبيره- أن النظام لم يسع فقط إلى رشوة جميع المواقع الإخبارية، ولكنه منح عشية التصويت ما يناهز 300 مليون أوقية قديمة لبرلمانيين، من أجل شراء موافقتهم على إنشاء لجنة التحقيق البرلمانية. 

وعندما سئل عن أدلته على هذه الاتهامات الخطيرة، قال إن التسجيلات التي تم بثها في موريتانيا تثبت ذلك، مضيفا أن نائب رئيس الجمعية الوطنية اعترف بأن النواب حصلوا على 300 مليون أوقية لشراء أثاث، وهو أمر غير قانوني بحسب تعبيره، وقال إنه يتم إهدار الأموال العامة بينما الناس في أمس الحاجة إليها.

وتساءل ولد عبد العزيز قائلا “وماذا فعلوا لمن يعيشون في بؤس مزمن؟ لقد أغلقوا جميع متاجر توزيع الغذاء التابعة لبرنامج أمل المدعوم من الدولة، والذي كان يخفض أسعار الضروريات الأساسية بنسبة 40٪، وفي الوقت نفسه، رفعوا رواتب النواب بنحو نصف مليون في عامين. إنهم يسمنون الأغنياء ويديرون ظهورهم للبؤساء. أقول هذا لأنه وضع صادم، والمعارضة لا تتحدث عنه”.

وفي رد على سؤال له حول تجاهله للاتهامات الموجهة إليه بالفساد، ومحاولته الانخراط في السياسة كإمعان في هذا التجاهل، أكد أن موقفه قانوني؛ ذلك أن إنشاء هذه اللجنة البرلمانية للتحقيق غير دستوري حسب رأيه، وأن السلطات لجأت إلى القانون الداخلي للجمعية لتشكيلها؛ لأنها غير منصوص عليها في الدستور. وأضاف إن التحقيق كان الأجدر به أن يشمل تسيير البلد خلال السنة الحالية، مؤكدا أنه تم فحص جميع الحسابات من قبل ديوان المحاسبة قبل مغاردته السلطة، واعترف ولد عبد العزيز بأنه كانت هناك أخطاء إدارية، ولكن تم حل كل شيء من قبل هذه المؤسسة، التي هي وحدها المخولة لإجراء عمليات التدقيق على حد تعبيره.

وأفصح عن رفضه التام الدخول في هذا النقاش القانوني، معبرا عن كرهه للحديث عن المادة 93 من الدستور (التي تنص على الحصانة الرئاسية)، بحجة أنه لا يريد أن يحتمي بها، “مع ذلك – يضيف- فقد قمت بذلك عدة مرات. نعم، وأنا لست فخورا به. أنا لا أعترف للمحققين بأي حقوق علي أو أية سلطة قانونية علي تجبرني على التحدث إليهم. تم اتهامي، من بين أمور أخرى، بالفساد والاختلاس وغسيل الأموال. حسنا، أنا جاهز، وليثبتوا لي أنني أخذت أوقية واحدة، سواء كانت من الخزينة أو البنك المركزي أو أي مؤسسة عامة أخرى. هذا هو التحدي الذي أواجه به كل الموريتانيين والحكومة والوزراء. وفرضا، إذا كانت هناك أي تجاوزات في عهدي، فقد تمت معاقبة المرتكبين، لكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يتورط أبدا في أي عمل غير قانوني.

وفي رده على سؤال مشكك في عملية التدقيق التي خضعت لها خزائن الدولة، وحول ما إذا كان قادرا على إثبات ذلك، رد إن ديوان المحاسبة يقوم بعمله كل عام، فقد قام بفحص كل شيء، وأعطى ولد عبد العزيز مثالا فيما يتعلق بعائدات النفط، حيث لم يثبت أن سنتا واحدا تم تحويله حسب تعبيره، معترفا من جديد بوجود مخالفات بالفعل، ولكن تمت معاقبة المسؤولين، مضيفا أنه كان رئيسا مثاليا وقدوة يحتذى بها عندما خرج من السلطة، وكرر أنه كانت هناك تجاوزات من جهات معينة، وقد عوقبت.

وقال ولد عبد العزيز في الرد على سؤال يرتبط بمصادرة 41 مليار (29 مليار منها بينه هو وصهره)، إن هذه العقارات والمنازل مملوكة لأطراف ثالثة مثل أحفاده وأقارب آخرين، مشيرا إلى أنه من الجهة القانونية لا تحمل أرواق هذه الممتلكات اسمه؛ باستثناء ما أعلن أنه ملكه مسبقا، “كما أن من بين الأموال المصادرة  سيارات ومبالغ مالية، وكذلك قطعان من ماعز وأغنام وثلاثين غزالًا (40.000 أوقية للواحد) أو حتى 650 جملا، فمن أين لي بهذا العدد الكبير؟، إنهم لم يقبلوا اطلاعنا على الملف بشكل كامل حتى الآن”.

وقال ولد عبد العزيز بشأن إدارة الشركة الوطنية للصناعة والتعدين في موريتانيا (اسنيم) إنه لم تكن هناك مشكلة في الشركة، ولم يكن هناك أي تدخل أو وساطة في المبيعات في قسم المبيعات الذي كان مقره في باريس، واعترف أنه لم يجب على المحققين عندما سألوه بشأن طلبه من وزير المالية أخذ 40٪ لشركة التأمين من اسنيم، واصفا ذلك السؤال ب”هذا الهراء”!، وقال إنه خطرت له شخصيا فكرة إنشاء هذه الشركة “لأننا كنا نخسر الكثير من الأموال على التأمين من الشركات الأجنبية. وعندما رأيت هذه الشركات تجني الكثير من المال، طلبت من الوزير أن يأخذ 40 ٪ من الأسهم، لتقليص نسبة الشركة قليلا. ولم أقصد أن العائد هنا يعود إلى الدولة بل إلي، ولا أرى أي مخالفة في كل هذا.

وطرحت الصحيفة سؤالا على ولد عبد العزيز بشأن استعداده للرد على القاضي؛ في حالة تم اتخاذ قرار بمحاكمته، وأجاب بأنه سيتحدث إلى العدالة، وسوف يضطر إلى تبرير موقفه والدفاع عن نفسه.

وأجاب على اتهامه بالتسلل إلى أموال وممتلكات رئاسية، أثناء سفره في 2 أغسطس 2019 (بعد يوم من تنصيب ولد الغزواني) إلى اسطنبول ولاس بالماس ولندن، بأنه يمكن التحقق من هذا الأمر، وأضاف أنه لو كان يرغب في تحويل ميزانية الرئاسة لكان ضاعفها على مدى عشر سنوات، ثم قال “سأخبركم بشيء: عندما غادرت نواكشوط، آخذ دولارا واحدا. لقد سافرت مفلسا؛ لأنني كنت في عجلة من أمري للسماح للرئيس الجديد بالاهتمام ببلده وتشكيل حكومته، فأين هي الحقيبة المليئة بالمال، بل لقد تحدثوا بالفعل عن 25 حقيبة. عليهم فقط إثبات ذلك!

ترجمة: تقدمي